إحداهما: إن الله تعالى أعلمنا أنه لا يعذب أحدا حتى تقوم الحجة عليه بقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء: ١٥] وقوله: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}[القصص: ٥٩].
والقاعدة الثانية: إن الله تعالى أخبرنا أنه لم يرسل رسولا إلى العرب قبل محمد - عليه السلام - بقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ}[سبأ: ٤٤] وغير ذلك من الآيات التي تقدم ذكرها.
فبعد تأصيل هاتين القاعدتين اعترضتنا تلك الأحاديث الصحيحة التي وردت في أشخاص ممن كانوا في زمن الفترة بأنهم من أهل النار، مثل ما جاء في عمرو بن لحي وغيره على ما تقدم (١) , وقد أجبنا عن ذلك بثلاثة أوجه ذكرناها قبل, إذ قلنا:
أحدها: إن المسألة التي نحن بصددها قطعية، وهذه الأحاديث أخبار آحاد.
والثاني: أن نقصر ما ورد من دخول النار على من ورد فيه بعينه فقط، ولا نطلب علة ذلك.
والثالث: تقسيمنا أهل الفترة إلى أربعة أقسام, وكان غرضنا من ذلك إبراز هذا القسم الثالث, إذ فيه الجواب المتمكن عن تلك الأحاديث لما تضمنه من تغيير الشرائع، واختراع الدين، ونصب الأحكام بمجرد الأهواء وتحسين