وتراثه، لأنهم لم يكونوا يتعمدون أن يدسوا أو يحرفوا.
لذلك جاءت بحوث هؤلاء أقرب إلى الحق، وإلى المنهج العلمي السليم، من أبحاث الجمهرة الغالبة من المستشرقين، بل منهم من اهتدى بدراسته إلى الإسلام، وآمن به، وانتمى إلى الأمة الإسلامية.
على أن هؤلاء قلما يوجدون إلا حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الدراسات الاستشراقية بأمانة وإخلاص، لأن أبحاثهم المجردة عن الهوى الجانح لا تلقى رواجاً لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين الغربيين.
بل كثيراً ما يتعرض هؤلاء لمضايقات ومقاومات شديدة، من قبل رجال الدين ورجال السياسة في بلدانهم.
ولما كان الاستشراق النزيه الراغب بالبحث العلمي الحيادي المتجرد عن الهوى الجانح، لا يدر على مرتاديه مكاسب ومغانم، كان من الطبيعي أن يندر وجود هؤلاء المرتادين في أوساط المستشرقين.
ومن خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به.
فهدف هذا الدافع: إشباع نهم علمي متجرد، وتحصيل معرفة صحيحة تتصل بأمة ذات علم، وحضارة أصيلة.
وهؤلاء مع إخلاصهم في البحث والدراسة لا يسلمون من الأخطاء والاستنتاجات البعيدة عن الحق، إما لجهلهم بأساليب اللغة العربية، وإما لجهلهم بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، فيتصورونها كما يتصورون مجتمعاتها، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرق بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها، وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها.
ومن هؤلاء من يعيش بقلبه وفكره في جو البيئة التي يدرسها، فيأتي بنتائج تنطبق مع الحق والصدق والواقع، ولكن هؤلاء يلقون عنتاً من سائر المستشرقين، إذ سرعان ما يتهمون بالانحراف عن المنهج العلمي، أو الانسياق