ومهمة المصلحين في مقابل ذلك أن يعملوا على تهيئة البيئات الصالحة المؤثرة، التي تتوافر فيها معظم الشروط لتحويل الفاسدين إلى الصالحين، أسوة بالبيئة النبوية التي انصهر فيها الجيل الإسلامي الأول، وتخرج منها إلى العالم دعاة إلى الخير، فاتحون بالهداية، مصلحون بالحكمة والموعظة الحسنة، والقدوة الكريمة.
شاهد على الإِفساد باستقدام كثير من أبناء المسلمين إلى بلاد الكفر
جاء في مقدمة كتاب "المنبوذون في الأرض" لناشر الضلال وداعيته اليهودي الفرنسيّ "جان بول سارتر" حامل لواء الوجودية الملحدة، قوله:
"كنَّا نُحْضِر رؤساء القبائل، وأولاد الأشراف والأثرياء والسّادة، من أفريقية وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيّام، في أمستردام، ولندن، والنرويج، وبلجيكا، وباريس، فتتغيّر ملابسهم، ويَلْتَقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعيّة الجديدة، ويرتدون السّترات والسراويل. ويتعلّمون منا طريقةً جديدة في الرَّواح والْغُدُوّ، والاستقبال والاستدبار، ويتعلّمون لغاتنا، وأساليبَ رَقْصِنَا ورُكوب عربتانا، وكُنَّا نُدَبِّر لبعضهم أحياناً زواجاً من أوروبيّة، ثُمَّ نلقِّنُهُمْ أسلوبَ الحياة على أثاث جديد، وغذاء أوروبيّ، وكُنَّا نضعُ في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبّة بلادِنا، ثم نرسِلُهم إلى بلادهم، وأيّ بلاد؟!
لقد كانت أبوابُ بلادهم مغلقة دائماً في وجوهنا، لم نكن نجد منفذاً إليها، كُنَّا بالنسبة إليها رِجْساً ونجساً وخَنَا، كُنَّا أعداءً يخافون منا، وكأنّهم همجٌ لم يعرفوا بشراً، لكنَّا بمجرد أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم، كُنّا بمجرّدِ أن نصيح من أمستردام، أو برلين، أو بلجيكا، أو باريس، قائلين: "الإخاء البشري" نرى أنّ أصواتنا يرتَدُّ من أقاصي أفريقية، أو من فجّ من الشرق، الأوسط أو الأدنى أو الأقصى، أو شمال أفريقية.
ثمّ إنّنا كنّا واثقين من أنّ هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمةً واحدةً يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم، ليس هذا فحسب، بل إنَّهم سُلِبُوا حق الكلام عن مواطنيهم.