الصحيحة المتوارثة في الشعوب الإسلامية، تمهيداً لانتزاعها انتزاعاً كلياً.
فمن وسائل خطة التفريغ الوسائل التالية:
الوسيلة الأولى: فصل العلوم الدينية عن العلوم الأخرى فصلاً يجعل بينها هوة سحيقة، واصطناع الخلاف والشقاق ثم العداء بين علوم الدين وعلوم الدنيا، وبين علماء هذين القسمين وتيسير سبل المال والمجد الدنيوي لمتعلمي علوم الدنيا، وحجبها عن نظرائهم من متعلمي علوم الدين، ولم تقتصر عملية الفصل هذه على مستوى التخصص العالي، ولكن المكيدة كانت شاملة، تهدف إلى عزل طلاب علوم الدنيا عن الدراسات المتعلقة بعلوم الدين عزلاً تاماً في الصيغة والطريقة والمضمون، وإلى عزل طلاب علوم الدين عن الدراسات المتعلقة بعلوم الدنيا عزلاً تاماً أيضاً، وذلك لئلا تنكشف الملاءمة التامة بين الأصول الصحيحة لقسمي علوم الدين وعلوم الدنيا، ولئلا تظهر الصداقة العميقة، أو الأخوة العريقة بين القسمين، فينصر الحقُّ من كل منهما الحقَّ من صاحبه، وينفي عنه الدخيل الدعيّ، ولئلا تتكامل منهما المعرفة على صراط الله المستقيم، فيحتل المسلمون لله مجد الدنيا والآخرة.
ومن طبيعة هذا الفصل الموضوع في الخطة أن يولد مع الزمن تعصب كل فريق لنوع دراسته، ولمنهج بحثه، وطريقة تقصيه للحقائق، حتى تكون طريقة كل منهما مزدراة عند الفريق الآخر أول الأمر، وبذلك تبذر بزور الشقاق والخلاف، ومع تطاول الزمن يستحكم ذلك وتتسع دائرته، ثم تتولد القناعة عند الفريقين بأن علوم الدين وعلوم الدنيا في خلاف وشقاق، مع أن العلم مهما كانت طريقته إنما هو بحث عن الحقيقة، ولا عداء بين الحقائق، ولكن بينها الوئام التام، وإنما العداء بين الحق والباطل، بين الصدق والكذب.
وما دامت مواكب المتعلمين ستتجه لدراسة علوم الدنيا وفق الصيغة التي وضعت لها، بما تحمله هذه الصيغة من عداء مدسوس أو سافر لأصول الدين وأحكامها وتزييف في بعض المعارف الإنسانية، وبعض النظريات. فإن النتيجة التي يقدرها واضعو الخطة هي انتصار هذه العلوم، وانتصار مادس فيها فجاء مرافقاً لها، وهزيمة علوم الدين بكل ما فيها من حق وخير ومجد للناس عظيم.