وعلى إثر هذا الفصل المصطنع كان على دارسي العلوم الدينية في معظم بلاد المسلمين أن يكونوا بعيدين عن كل مجالٍ حيوي إلا مجال المساجد وما يكون فيها من عبادات، وبعض الوظائف ذات الاختصاص الديني، مع تضييق موارد الرزق فيها، وإلجاء القائمين بها إلى طرق من الكسب تثير النقد اللاذع والازدراء والتندر.
أما فيما عدا ذلك من المجالات فإنهم يحجبون عنها حجباً تاماً، حتى يظلوا معزولين عن معظم مجالات المجتمع، وحتى لا يكون لأفكارهم تأثير في التوجيه والتخطيط العام للأمة، وحتى لا يكون لهم رقابة على من يتولى ذلك من أجراء أعداء الإسلام وعملائهم في شتى المجالات.
وفي مقابل ذلك وضعت الخطة في حسابها أيضاً عزل دارسي علوم الدنيا في معظم بلاد المسلمين عن دراسة علوم الدين، وحين يؤذن لهم بشيء من ذلك تحت تأثير ضغط جماهير المسلمين، فإنما يؤذن لهم منه بالنزر اليسير الذي لا يكوّن عندهم ملكة المعرفة بأصول الدين، وبنظمه الإنسانية التي تكفل للناس سعادتهم، وتركز الخطة فيما تأذنُ به على اختيار الموضوعات التي ليست من أسس العقيدة، ولا من أسس المعاملة، ولا من أسس إقامة المجتمع الإسلامي، وتحاول استرضاء الضغط العام ببعض مباحث الأخلاق المشتركة بين الإسلام وغيره، وبعض صور من التاريخ الإسلامي المشوه، وبعض صور من نشأة بعض العلوم عند المسلمين، ونحو ذلك.
ثم تفتح لهؤلاء الدارسين وفق هذه الخطة مجالات الحياة كلها، وبمرور الزمن يتم الفصل بين الدين والحياة، وحينئذ تجد الأمة نفسها مضطرة لأن تقتبس لنظام حياتها من الأنظمة المستوردة من بلاد أعداء الإسلام، على أسس لا صلة لها بالدين ولا تعترف بشريعة الله، وبذلك يحقق الغزاة هدفهم من غزو الأفكار والنفوس والقلوب، وغزو سلوك المسلمين، واحتلال هذه المواقع بجيوش الغزاة الفكرية والوجدانية والعاطفية والسلوكية.
ومتى انزلقت هذه الأمة في هذا المنزلق الخطر عدت عليها عوادي الكفر، وقد تتم عند الجماهير المخضرمة المصالحة الصورية بين عقيدتها وسلوكها، أما