للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آخر هذا التضليل الذي أخذوا يصوغون له العبارات المتنوعة، المشحونة بالأكاذيب والافتراءات الخالية من أي مستندٍ عقلي أو واقعي.

ولما انطلت حيلتهم هذه على ثُلَّة من أبناء المسلمين أدخلوا في روعهم أن رسالة الإسلام كانت ثورةً عربية على أوضاعٍ اجتماعية، تزعمها عبقري مصلح منهم، وأن رسالته ومبادئه كانت صالحة لشعوب تلك العصور، وقد أصبحت اليوم بالية بدائية غير مناسبة لأن تكون أسساً للإصلاح في القرن العشرين، من أجل ذلك يجب أن تقوم ثورات حديثة، تحمل أسساً جديدة للإصلاح، مناسبة لهذا القرن، يتزعمها عبقري جديد، يقوم في هذا العصر بمثل الدور الذي قام به محمد من قبل، وأطلقوا بين أتباعهم المفتونين بهم من أبناء المسلمين العرب مقالة قائلهم المشهورة: "من الطبيعي أن يستطيع أي رجل مهما ضاقت قدرته أن يكون مصغراً ضئيلاً لمحمد، ما دام ينتسب إلى الأمة التي حشدت كل قواها فأنجبت محمداً، أو بالأحرى ما دام هذا الرجل فرداً من أفراد الأمة التي حشد محمد كل قواه فأنجبها في وقت مضى، تلخصت في رجل واحد كل حياة أمته، واليوم يجب أن يصبح كل حياة هذه الأمة في نهضتها الجديدة تفصيلاً لحياة رجلها العظيم، كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب اليوم محمداً".

وهكذا يصغ هذا الزيف في مثل هذا الكلام الذي يبتسم ظاهره ابتسامة عريضة، ولكن وراء هذه الابتسامة نهم شديد لافتراش الإسلام والمسلمين , والإجهاز على كيان الأمة العربية، وضمن هذا الأخذ والرد في حيل العبارة الكلامية الخادعة للمغفلين أو الجاهلين يبدو للبصير الحاذق مبلغ الكيد العظيم للرسالة الربانية، التي لم يأت بها محمد صلوات الله عليه من تلقاء نفسه، وإنما تلقاها من الوحي، ولم تكن ثمرة عبقريته الخاصة، وإنما كانت تنزيلاً من عند الله، مع أنه صلوات الله عليه أوفر الناس عبقرية، وأكثرهم كمالاً إنسانياً.

ولكن هؤلاء المخربين يريدون أن يجعلوا محمداً نتاج الأمة العربية، وأن يجعلوا دينه ثمرة عبقريته الفذة، وأن يفتحوا الباب لعباقرة مُحدثين يأتون برسالة

<<  <   >  >>