للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موظفي الشرطة أو الجيش من المصريين بتنفيذ أمر على بعض السودانيين , وهذا الأمر يثير النقمة , كأمر مصادرة , أو تحصيل ضريبة , أو قبض على ذي وجاهة دينية أو اجتماعية أو سياسية , يقلق راحة السلطات المستعمرة , بنضاله ضد أعمالهم المسيئة لأهل البلاد , وتشدد هذه السلطات المستعمرة أوامرها الموجهة لهؤلاء الموظفين بأن يستعملوا كل ما في أيديهم من قوة وحزم وخشونة , ويدعون النقمة تربو حتى تبلغ أشدها , وحينما يلاحظون بوادر انفجار النقمة , يرسلون إلى الناقمين من يقنعهم برفع الشكوى إلى صاحب السلطة العليا الإنكليزي , وذلك لينظر في أمرهم , ويدفع عنهم عنت موظفي الشرطة أو الجيش , وحينما يرفعون إليه شكواهم مما حصل , ويشدد تعنيفه لموظفي الشرطة أو الجيش المصريين , وهم الذين باشروا الأمر المثير للنقمة , ليوهموهم أن هذا التصرف تصرف مصري لا تصرف استعماري , وبذلك يلقون في قلوب السودانيين جرثومة الكراهية الشديدة التي تباعد الشقة بين المسلمين.

ويفعل المستعمرون مثل ذلك بين سكان مدينة وسكان مدينة أخرى داخل قطر واحد , وبين سكان المدن وسكان الريف , كأن يسلطوا الموظفين الدمشقيين على سكان مدينة حلب , والعكس , والموظفين البغداديين على سكان الموصل , والعكس , والموظفين القاهريين على سكان الاسكندرية , وكذلك العكس , والموظفين من سكان المدن على سكان القرى وسكان البادية , وكذلك العكس.

وهكذا بين كل بلد وبلد , وبين كل مدينة وقرية , وبين كل حي وحي آخر ضمن البلد الواحد , وكذلك يفعلون بين المنتسبين إلى قوميات مختلفة , مع اشتراكهم في وحدة دينية , تفريقاً بين المسلمين , فيسلطون الشراكس أو الأتراك أو الأكراد على العرب , ويسلطون العرب على الشراكس أو الأتراك أو الأكراد كي يملأوا قلوب كل قوم منهم بالحقد والضغينة على المنتسبين إلى القوميات الأخرى , إذ يوهمونهم أن الأذى الذي أصابهم لم يكن من أوامر المستعمرين المشددة , وإنما كان من دوافع خاصة لدى القوم الذين يباشرون التنفيذ.

<<  <   >  >>