للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً}

أي: لا تقتلوهم لتتخلصوا من النفقة عليهم خشية أن تصابوا في المستقبل بالفقر بسبب النفقة عليهم , فالله كفيل بأن يرزقهم ويرزقكم إذا نفدت النفقة التي في أيديكم , وقد يكون رزقهم بسببهم , أو عن طريقهم إذا كبروا. ولما كان الباعث هنا خشية حدوث الفقر لا واقع الفقر كان الإعلان مشتملاً على تقديم رزق الأولاد على رزق أوليائهم الذين ينفقون عليهم , لأن الأمر هنا يتعلق بالحذر من المستقبل المجهول , وفيه شك بالله ووعده , ومقادير رزقه , وفيه تخلٍ عن واجب التوكل عليه تبارك وتعالى , بخلاف الحالة الأولى فإن واقع الفقر وما فيه من آلام يحدث اضطراباً في النفس والفكر قد يغشي على ثوابت الإيمان وركائزه وتصوراته , فيجعل صاحبه يتصرف تصرف غير المؤمنين , لذلك كان بحاجة إلى ما يزيل الغشاوة عن نفسه وفكره , فتبين له حقيقة من حقائق الإيمان , وهي: أن الله يزرقه ويرزق أولاده , فلا داعي للتخلص من واجب النفقة عليهم , ومن واجب السعي لاكتسابها كما أمر الله , فالقضية واجب اجتماعي مضمون النتائج بكفالة الخالق الرازق.

تقدير الأقوات:

والله تبارك وتعالى إذ قضى بأن يخلق عالم الحيوان في الأرض , وإذ جعل حياة الحيوان منوطة بقوته , جعل الأرض مستودعاً لأقوات الأحياء المقضي لهم بأن يحيوا فيها إلى أن تقوم الساعة , ضمن حدود الآجال المقدرة لها في قضاء الله وقدره.

وما على الناس إلا أن يهتدوا إلى مفاتيح أبواب هذه المستودعات , لتتدفق عليهم خيرات الأرض , ما في برها وأعماقها وجبالها وبحارها وسمائها من أقوات.

فقضية الأقوات قضية مقدرة بقضاء الله حسب حاجة الأحياء المقضي لهم أن يحيوا على هذه الأرض , وبمقدار أعمارهم المقدرة لهم , وهي في عقيدة

<<  <   >  >>