هيهات.... ولكن سيقول الجميع إننا سندرب القادرين والقادرات من رجال أمتنا ونسائهم على استعمال هذه الآلات الحربية الضخمة التي يحويها ميراثنا العظيم، ولأن نؤخر المعركة مع عدونا مدّة من الزمن بالمطاولة والمراوغة، حتى نحسن استعمال ما لدينا من آلات حربية معقدة، خير لنا من أن نعرض أنفسنا لمواجهة التهلكة، إذ نخوض معارك القرن العشرين بأسلحة القرون الأولى من حجارة وعصيٍّ وسكاكين.
وما أظنني قد بالغت في ضرب هذا المثل، لإبانة وجه المكر الذي تنطوي عليه الدعوة التي أخذت تحاول أن تخدع الأمة العربية الإسلامية، لتهجر العربية الفصحى، لدى كتابة العلوم والآداب، ولِتُحِّل محلها العاميات المختلفة فيما بينها اختلافاً كبيراً، ولتستبدل الرسم اللاتيني برسمها.
وقد انكشف لنا تماماً أن هدف العدو من ذلك أن يقطع الصلة بين الأمة العربية الإسلامية وبين تاريخها ودينها وعلومها، ويقيم الحواجز اللغوية الغليظة بين أبناء الأقاليم والأقطار العربية، كما أقام بينهم من قبل الحواجز السياسية المصطنعة، وغاية ما لدى ثعلب النصيحة من حجج ما يلي:
الحجة الأولى: أن كثيراً من سكان الأقطار العربية لا يحسنون الكتابة والقراءة بالعربية الفصحى.
وقد غدت هذه الحجة بعد أقل من نصف قرن حجة ساقطة، إذ أخذت العربية المنضبطة وفق قواعد الفصحى تنتشر بين الأجيال العربية الحديثة، انتشاراً مواكباً لانتشار العلم بينها، حتى أصبح العامي الذي لا يحسن العربية الفصحى يمج بالذوق استماع النص الملحون، من الخطيب أو المحاضر أو مذيع الراديو، ويحسُّ بأن فيه خللاً وإن كان لا يعرف وجه ذلك الخلل.
الحجة الثانية: أن الاكتشافات العلمية والمخترعات الحديثة كثيرة، وليس في العربية الفصحى كلمات تدل عليها.
ويبدو أن هذه الحجة في منتهى الضعف أيضاً، وردها يكون من وجهين:
أولهما: أن لغات العالم كلها بما فيها العاميات الشائعة في الأقطار العربية، ليس فيها كلمات تدل على ما يحدث من مكتشفات علمية ومخترعات حديثة، وهي تلجأ إلى إدخال مصطلحات حديثة على لغاتها لتدل عليها.
وثانيهما: أن العربية الفصحى فاتحة بابها لضم أية مصطلحات جديدة لمعان علمية مبتكرة، وأسماء لمخترعات حديثة، مثلما اتسعت في عصور التدوين لألوف من المصطلحات النحوية والصرفية والبلاغية والفقهية والفلسفية والطبية والكيميائية والفيزيائية وغيرها.... وكل هذه المصطلحات لم تكن معروفة قبل العصور الإسلامية، والمجامع العربية مسؤولة عن توحيد المصطلحات الحديثة، واختيار الألفاظ العربية المناسبة للمستحدثات من المعاني الفكرية، والأشياء المادية، ومسؤولة عن تعميمها على الأقطار العربية.