للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحاب الرعونات، الذين يندفعون بالانفعالات المؤقتة، التي يصطنع الشياطين لها الظروف والأجواء والبيئات النفسية والفكرية والاجتماعية المناسبة.

فإذا ظهر مدغدغو العواطف القومية بين ذوي الأعراق الهندية مثلاً أثاروا فيهم القومية الهندية، وأظهروا حماستهم للحضارة الهندية القديمة ولآدابها وعلومها ولغتها السنسكريتية الأولى، ونبشوا المقابر المهجورة منذ قرون، واستخرجوا منها العظام الباليات، وربطوا في أفكار الهنود التأخر عن ركب الحضارة الحديثة بصلتهم بالإسلام، وبنفوذ اللغة الأردية التي وحدت شعوب هذه البلاد إثر الفتح الإسلامي تحت راية واحدة، والتي كتبت بها علومهم وآدابهم التي تصلهم بالإسلام والمسلمين، في حين أنهم لا يثيرون مثل ذلك في بلاد وثنية بحتة، مختلفة عن ركب الحضارات تخلفاً فاحشاً يقدر بعشرات القرون، مع أنها ما زالت محافظة على قومياتها ولغاتها القديمة.

وإذا ظهروا مثلاً في شمال إفريقية أثاروا بين سكانها القومية البربرية، وتظاهروا بالحماسة للهجاتها، وأسرعوا يضعون مختلف الكتب التي تضمن دراسة اللهجات البربرية وقواعدها، لإحلالها محل العربية الفصحى، بينما يكتب هؤلاء المستشرقون التقارير السرية إلى حكوماتهم الاستعمارية، يقولون فيها كما جاء في تقرير بعضهم:

"من الواجب صرف الجهد إلى التقليل من أهمية اللغة العربية، لتحويل الناس عنها، بإحياء اللهجات المحلية، واللغات العامية في شمال إفريقية، حتى لا يفهم المسلمون قرآنهم، وحتى يمكن التغلب على عواطفهم".

وإذا ظهروا مثلاً في تركيا أثاروا بين الأتراك عواطف القومية التركية الطورانية، وصوروا لهم أن المدنية والحضارة التركية من أقدم الحضارات، فهي تتصل بالمدنيات والحضارات البابلية والآشورية القديمة، ولا صلة لها بالحضارة الإسلامية، وحاولوا خدعهم بهذه الأقوال، ثم صوروا لهم أن طريق مجهم رهن بقطع الصلة بينهم وبين الشعوب الإسلامية، لا سيما الشعوب العربية، ورهن بالسير في الركب الأوربي الحديث، وبهدم جميع الأبنية الإسلامية القائمة بينهم، وصوروا لهم أن خطوات الإصلاح يجب أن تبدأ من هذا المنطلق.

<<  <   >  >>