تلبيتها لولا الضوابط الأخلاقية الإسلامية , والروادع والمرغبات الدينية التي تحجز الإنسان عن ذلك , فتدفعه إلى ابتغاء مَرضاة الله والخوف من عقابه والطمع في ثوابه.
ويعرف الأعداء الغزاة هذه الحقيقة من حقائق النفوس , لذلك فقد وضعوا في خطط كيدهم للإسلام والمسلمين استغلال عنصر الحكم والطمع به , واستغلوه فعلاً أخبث استغلال , فدغدغوا الشهوات العارمة إليه , وقذفوا في النفوس الخاملة الرغبة العنيفة به , وأفسدوا في مجاله أخلاق كثير من المسلمين أيما إفساد , وحولوا سلوكهم فيه عن منهج الاستقامة والعدل إلى أنواع من السلوك الظالم الآثم الفاسد المفسد , واستطاعوا بذلك أن يمزقوا جماعات المسلمين , ويحطموا كتلتهم الواحدة , ويجعلوها فرقاً مجزأة شتى.
لقد عرف الأعداء الغزاة كيف يتصيدون الطامحين إلى الحكم , وكيف يحركون إليه الغافلين عنه , وكيف يغرونهم به ويذيقونهم شيئاً من حلاوته , دون أن يعطوهم فرصة الاطمئنان والاستقرار , اللذين من شأنهما أن يدفعا الأكفاء إلى الإصلاح والتحسين , وعرفوا أيضاً كيف يثيرون التنازع عليه , والتقاتل من أجله , وممارسة كل رذيلة وكل جريمة في سبيل الظفر به , والاستئثار بخيراته , والاستبداد بمقاليده ونشروا في طلاب الحكم وممتهني السياسة ما أسموه بالأخلاق السياسية , التي لا تؤمن بفضيلة من الفضائل إلا ببلوغ الغاية مهما كانت الوسيلة , حتى غدت رذائل الكذب والخداع , والنفاق , والوعود المزمع على الإخلاف بها ابتداء , ونقض العهود والمواثيق , والقتل بغير حق , واستلاب الأموال بغير وجه مشروع , وانتهاك الأعراض وغير ذلك من الأمور التي لا يستنكرها العاملون في ميادين السياسة.
ثم انتقلت عدوى هذه الرذائل إلى الشعوب التي تمنح أمثال هؤلاء السياسيين قيادة حكمها , حتى صارت العملات الرائجة في ميادين المعاملات السياسية هي هذه الرذائل: «كذب - نفاق - تضليل - وعدٌ لا وفاء له - احتيال لبلوغ المصالح الخاصة - فسق وفجور - قتل بغير حق - اتهام بالباطل - إيقاع الغافلين في شرك الجريمة لتسويغ الانتقام منهم والتخلص من معارضتهم أو