للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتسويغ سلب أموالهم ومصادرة ما تحت أيديهم - إلى غير ذلك من جرائم كثيرة» .

قد نشأ من جراء هذه الرذائل السياسية انهيار خلقي وسلوكي عام؛ حتى صارت الشعوب لا تمنح أصواتها الانتخابية , ولا تعطي تأييدها لمتحكم مستبد إلا في مقابل أجر معلوم , أو منافع مادية محددة. وتحول السياسيون والمتحكمون من قادة يتحملون المسؤوليات الجسام , ويضحكون في سبيل رفع مستوى شعوبهم , ودفع ضر الأعداء عنهم , ويحكمون بينهم بالعدل والقسطاس المستقيم , إلى تجار جشعين متكالبين , يتقاتلون على الغنائم , ويتزاحمون على الأسلاب , ويتنافسون في تصيد الشهوات المحرمة , والخوض في حمأة الرذيلة.

وتبعهم في ذلك المخالطون لهم والقريبون منهم , وانغمس في مثل ذلك حماة البلاد ومن وضعت في أيديهم أثقال القوى الحربية , وكانت هذه داهية الدواهي , ففقد هؤلاء الحماة الروح المعنوية التي يجب أن تكون جاهزة للتضحية والفداء , كما هو مقدر لها , لأنهم غارقون في الرفاهية والترف واللذات المحرمة , غير مستعدين أن يتركوها ليواجهوا كفاحاً أو قتالاً , وينشدوا بذلك مثلاً كريمة ورضواناً من الله , ومثل هؤلاء غير مؤهلين للصمود في مواجهة عدوهم مهما كثروا وفاقوا عدوهم عدة وعدداً , لأن أعداد الجيوش إنما تحسب في الحقيقة بمقدار ما فيها من مقاتلين صادقين يحملون الروح المعنوية العالية , لا بمقدار ما فيها من دمى عسكرية , إذا سقطت إحداها تساقطت معها مئات الدمى.

وأعظم روح معنوية عرفها التاريخ في الجيوش المقاتلة إنما هي الروح المعنوية التي يحملها المسلم الصادق الشجاع , وهي التي تفجرها فيه الغاية العظمى التي يقاتل في سبيلها , إنه لا يقاتل من أجل الدنيا , ولا يقاتل حمية , ولا يقاتل عصبية , ولا يقاتل لمجرد أن قيادته أمرته بالقتال , ولا يقاتل ليقال عنه شجاع أو ذو بأس , إنما يقاتل في سبيل الله , ولإعلاء كلمة الله , ويرجو من الله النصر أو الجنة.

ومن أجل ذلك استطاع أن يغلب عشرون صابرون مئتين بإذن الله , وأن يغلب أي عدد من المسلمين الصادقين الصابرين عشرة أضعافه , والله مع الصابرين.

وقد عرف أعداء الإسلام والمسلمين هذه الحقيقة بالشواهد التاريخية ,

<<  <   >  >>