فإذا سأل الناس عن الخير الأمثل في واقع تطبيقي وجدوه في مجتمع المسلمين - يوم كان الإسلام حاكماً عليهم، والقرآن متمثلاً في أخلاقهم وأعمالهم- وإذا سألوا عن الفضيلة وجدوها عندهم، وإذا بحثوا عن الحق والعدل، وجدوهما في دينهم وشرائعهم وأقضيتهم، وإذا فتشوا عن القوة المتماسكة المتراصة، وجدوها في صفوفهم.
وهذا ما أذهل أعداء الإسلام الذين أعمتهم عصبياتهم الدينية والقومية، وأثار حقدهم وحسدهم، ولذلك أخذوا في تهديم الأسس التي كان بها للمسلمين ذلك المجد التليد.
وأعداء الإسلام يخشون أن يعود المسلمون إلى الاستمساك بالأسس الإسلامية الصحيحة، فيعود لهم مجدهم السليب.
وكل مثالية يدعيها أعداء الإسلام إنما هي مثالية مزورة، غايتهم منها التضليل والخداع، ولو كانت لهم مثاليات حقيقة صادقة قابلة للتطبيق الإنساني لرأى الناس أثرها في السلم أو في الحرب، ولكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا أن يسجلوا في تاريخهم الطويل إلا صور المادية المفرطة، المرتبطة بالأنانيات الفردية، أو العنصرية، أو العصبية المذهبية.
بخلاف الفلسفة الإسلامية العظيمة القائمة على الدعوة المثالية والدفع إلى نشدان الكمال المطلق، والتطبيقات الواقعية الملائمة للواقع الإنساني، والوسائل المنسجمة مع الخصائص الإنسانية، فإنها هي الفلسفة الوحيدة في العالم التي أثبتت التجربة الإنسانية كمالها وأهليتها للخلود، خلال قرون حافلة بكل المشكلات والعقبات التي تتعرض إليها الأمم، منذ أيام نشأتها وبنائها، حتى أيام قوتها وشدتها، ثم إلى أيام شيخوختها وهرمها، بيد أن هذه الفلسفة الإسلامية كفيلة - لو استمر المسلمون ملتزمين بها - أن تمنحهم الشباب الدائم المتجدد فيهم مع تجدد أجيالهم.
وذلك لأن عنصر الدعوة المثالية ونشدان الكمال المطلق يشبع في الإنسان