السلوك الواقعي المهذب، الذي يحقق الكمال الإنساني في صورته الممكنة، المنسجمة مع متطلبات الواقع انسجاماً تاماً، وحينما يرغب الإسلام بالمثاليات التطبيقية فإنه يجعلها مجالاً لتسابق المجدين المتطلعين إلى الكمال التطبيقي، ولا يجعلها أمراً إلزامياً واجباً.
إن دراسة أحكام الشريعة الإسلامية ووصاياها تكشف لكل باحث، أن المثالية في الإسلام حينما تكون أمراً واجباً فإنها تكون مثالية وواقعيّة معاً، إذ تكون مثالية ميسورة التطبيق، وهذه المثالية الواجبة منحصرة في العقائد والغايات والأهداف، ومعلوم أن المثالية في هذه الأمور لا تتعارض مع الواقعية بحال من الأحوال، لأنها ممكنة التطبيق، فليس من العسير على الإنسان أن يعتقد العقيدة المثالية، وليس من العسير أن يجعل غايته من أعماله العبادية أو غيرها غاية مثالية.
وحينما تكون المثالية أمراً غير واجب، فهي مثالية موضوعة في مدى نظر الإنسان الأعلى، حتى تكون مغرية له بالتطلع المستمر إلى الأحسن والأفضل والأنفع والأكمل من صور العمل واحتمالاته، وليس من الصعب على الإنسان أن يجعل الكمال المثالي في كلّ أمرٍ من أموره مطلباً أسمى ينشده ويسعى إليه قدر استطاعته دون أن يكون ملزماً به لدى التطبيق العملي.
أما الواقعية في التطبيق العملي فتظهر لكل دارس لأحكام الشريعة الإسلامية، والإسلام في تطبيقاته العملية ملتزم جانب الواقعية أروع التزام، ولعله أكثر تسامحاً من أي نظام في العالم معتمدٍ على الأسس الواقعية فيما يأمر به أو ينهي عنه.
وطبيعي أنه ليس من الواقعية في شيء أن يترك المجرمون والشاذون في الأرض يعيثون فساداً وخراباً، وينشرون الآلام الكثيرة، مجاراة لواقعيتهم المنحرفة وإن أي تفكير يحاول أن يبرر الجرائم وأنواع الشذوذ المفسدة في الأرض ضمن إطار الفلسفة الواقعية، إنما هو تفكير شياطين المجرمين المفسدين في الأرض، الذين لا يريدون إصلاحاً، ولا ينشدون كمالاً، ولكنهم يريدون أن