للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان الإسلام كذلك، وقد جمع بين المثالية والواقعية في أروع صورة ممكنة التطبيق، وكفل للناس سعادة دنياهم وأخراهم، فخليق به أن يبيح للناس أن يأخذوا نصيبهم من زينة الحياة الدنيا ومتعها، بلا إسراف ولا إجحاف، ولا طغيان ولا عدوان على حقوق الناس ولا تجاوز لحدود الله في أوامره ونواهيه، وخليق به أن يلزم الناس بأداء ما فرض الله عليهم من فروض، وما أوجب عليهم من واجبات تتعلق بما وهبهم في هذه الحياة الدنيا من قدرات فكرية ونفسية وقولية وجسدية، وبما وهبهم من مال أو سلطان أو جاه أو رعاية، وأن يترك لهم بين هذا وذاك مجالاً واسعاً للتنافس في الخيرات، والتسابق إلى ابتغاء مرضاة الله، في كدح واجتهاد ومجاهدة للنفس على ما يرضيه سبحانه وتعالى.

في وهذا الميدان الواسع المعد للتسابق والتنافس الشريفين يقف رقباء التسجيل، وفي نهاية حلبة السباق يقدم الحكم العدل جوائز المتسابقين كل بحسب استحقاقه.

وحينما خلق الله الغرائز في الناس لم يشأ أن يحرمها من تلبية مطالبها الفطرية، ضمن حدود ضواط المصلحة والحكمة وابتلاء الإرادة. ولكن شاء أن يضعها على مائدة الحياة الدنيا، وأذن لها أن تأخذ نصيبها الذي ينفعها ولا يضرها، ولم يأذن لها أن تمتد مطامعها إلى أنصبة الآخرين الذين هم شركاء معها في هذه المائدة، وحرم عليها أشياء قليلة ضمن مباحات كثيرة، دون أن ترتبط بهذه الأشياء التي حرمها عليها مطالب فطرية ملحة، بعد أن يسر في مائدته الواسعة شتى المجالات المباحة، الكفيلة بتلبية مطالب هذه الغرائز.

وضمن هذا الجو السعيد - الذي لا كدح فيه يزيد على كدح أي إنسان يحاول أن يتمرد على شريعة الله وأحكامه - تمت ظروف ابتلاء الإرادة التي يجتازها المؤمنون المتقون بنجاح.

الزينة:

ومن بديع حكمة الله في خلقه أنه ألبس مطالب الحياة أثواب مطالب الشهوات، لتكون هذه الشهوات بمثابة المحرّض الذاتي على تناول حاجات

<<  <   >  >>