ونظير ذلك يقال في الوظائف الأخرى، كالوظائف الاجتماعية التي تميل إليها غرائز الأمومة والأبوة، وحب الاجتماع، والرغبة بالسلطان، وكالوظئاف النوعية التي تجذب الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل لحفظ النوع، ففي كلٍّ منها قدر معتدل له صراط مستقيم ترافقه زينة ربانية، ووراء ذلك قدر جائر زائد زيادة فاحشة عن حاجات الوظائف الفطرية، فيه ضرر وإثم، وله سبل متعرجة ملتوية تنحدر بسالكها إلى سحيق التهلكة، ترافقها زينة خادعة شيطانية.
ولقد حار أعداء الإسلام بماذا يتهمونه، أيتهمونه بالصوفية المغرقة المنافية لطبيعة الإنسان؟ أم يتهمونه بأنه مادي بعيد عن الكمالات الروحية؟ ولكنهم لا يظفرون من إطلاق أية شبهة منهما بطائل، لأن الإسلام في واقع حاله قد كان بين ذلك قواماً.
فالذين يصورون الإسلام دعوة صوفية تطارد الغرائز الإنسانية أنّى وجدتها، وتحاول أن تسلخ الإنسان عن بشريته، وتحجر على كلّ شهواته فلا تدع لها متنفساً إنما هم مفترون، يقولون على الله ما لا يعلمون، ويكذبهم في تصويهم هذا قول الله تعالى في سورة (الأعراف/٧ مصحف/٣٩ نزول) :
فهذا النص القرآني يعلن بصراحة تامة أن ما أخرج الله لعباده من زينة وما رزقهم من طيبات حلال هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وأما غير المؤمنين فقد سكت عنهم، لأنهم لم يؤمنوا بالله حتى ينظروا فيما أحل لهم أو حرّم عليهم، ولكن طبيعة تيسير الوسائل لهم تقضي بأن يصيبوا منها كما يصيب منها غيرهم من خلق الله، وفق سننه الدائمة في كونه، إلا أنه لما انتقل إلى الحديث عما أعدّ الله من زينة يوم القيامة، قررّ أنها لن تكون لغير المؤمنين يومئذ، قال