وفي منهج الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط تسير الحياة السعيدة في هذه الدنيا، وهذا هو منهج المسلم العارف بدينه الملتزم لتعاليمه ووصاياه.
فلا حرج على المسلم أن يتمتّع بنوع من زينة الحياة الدنيا، عن طريق الزواج المشروع، الذي لم يجعل الإسلام له قيوداً عسيرة صعبة الدنيا، بل رغب فيه وحض عليه، ثم أرشد المسلمين إلى الاعتدال وعدم الإسراف، حتى لا ينفقوا في مجاله كل طاقاتهم، فيحرموا أنفسهم من خيرات أخرى لدنياهم وآخرتهم، هذا هو منهج الإسلام المعتدل، السائر بين جانبي تفريط وإفراط. فمن وراء ذات اليمين كره الإسلام التبتل، لما فيه من تفريط بحق النفس والجسد، وحق الحياة الداعية إلى بقاء النوع، فإذا بلغ التبتل إلى مستوى الإضرار الجسد أو العقل أو النفس، أو التحريض على الفسق والشذوذ، كان محرماً ولم يجز للمسلم عندئذ أن يعزف عن الزواج وهو قادر عليه. ومن وراء ذات الشمال كره الإسلام الإفراط الذي قد يضيع قسطاً من الواجبات أو الوظائف الأخرى، ولو لم يكن في الإفراط تجاوز لحدود الله، وحرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وحرم كل ما فيه تجاوز لحدود الله التي حدها لعباده.
ولا حرج على المسلم أن يتمتع بنوع من زينة الحياة الدنيا عن طريق جمع المال بالسعي الجميل والعمل الشريف المشروع، بل حضّ الإسلام على الكدح وحث على العمل ورغب فيه، وجعله أهم وسيلة من وسائل كسب الرزق في الحياة، وأقام للكسب حدوداً تمنع العدوان والظلم والبغي وأكل أموال الناس بالباطل، ومنهج الإسلام في كسب الرزق ومنهج معتدل سائر بين جانبي تفريط وإفراط. فمن وراء ذات اليمين لم يأذن الإسلام للمسلم بالبطالة والكسل وعدم الأخذ بوسائل الكسب، سواء أكان ذلك زهداً أو اكتفاء بالنفقة التي تأتيه من عمل الآخرين، ما لم يكن متفرغاً لعمل آخر ذي نفع عام، كالبحث العلمي والدعوة إلى الله والقيام بمصالح المسلمين العامة، فهذا من سبل العمل ذات الأهداف السامية والنفع العام، وقد نهى الإسلام عن البطالة والكسل لما فيهما من تفريط بحق النفس والجسد والأسرة ومنافاة لوظائف الحياة. ومن وراء