للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن في فعله ذلك منَّة يمتنّ بها على أحدٍ من الناس، ونظير ذلك ما لو صلى أو صام أو حجّ أو فعل أي عمل من أعمال البر لنفسه لم يكن في أدائه لهذه العباداة منَّة منه على أحد، والفرق أن هذه العبادات أعمال لا تتعلق بالمال بشكل مباشر، أما عبادة الزكاة فتتعلق بالمال بشكل مباشر. والمعنى الثاني للزكاة - وهو النماء - فيه دلالة على الثواب المعجل أو المؤجل، الذي يثيب الله به الذين يؤدون ما فرض عليهم في أموالهم، فينمي لهم أموالهم في الدنيا ويحفظها لهم، وينمي لهم ثواب ما بذلوه في سبيله، لينالوه يوم القيامة أجراً عظيماً.

فليس في أي معنى من هذين المعنيين للزكاة أية إشارة إلى ما يشعر بمنّة الغني على الفقير أو تفضله عليه.

وأما لفظ الصدقة وهو الاسم الثاني لهذا النظام فمعناه في لسان اللغة وفي لسان الشرع إنما هو عمل من أعمال الخير.

وكل عمل من أعمال الخير صالح لأن يبتغى به وجه الله تعالى، سواء أكان ذا نفع لعامله، أو كان ذا نفع لغيره من خلق الله.

وحين نتأمل في معنى الصدقة لا نجد فيه إشعاراً بمنة فاعل الصدقة على أحد، ولذلك نجد باب الصدقات في الإسلام أوسع بكثير من أن يكون منحصراً في بذل المال، ويشهد لذلك قول الرسول في الحديث الصحيح: "كلّ سلامى من الناس عليه صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو تحمل له عليها صدقة".

ونظائر ذلك كثير في النصوص الإسلامية. فإذا كانت الصدقة في الإسلام تحمل هذا المعنى فمن أين تصيّد موردو الشبهات معنى منة الغني على الفقير؟.

ثم إذا نظرنا إلى مسمى الزكاة في مفاهيم القرآن والسنة، فإنا نجد أنه

<<  <   >  >>