هذه قصة من قصص إبراهيم -عليه السلام- ذكرها القرآن الكريم في موضع غير المواضع السابقة، ولا نرى تكرارًا فيها، وإذا كان قد ذكر في قصة تتبع الكواكب والقمر والشمس الحكم على أبيه وقومه بالضلال، فقد ذكر ذلك مجملًا في الأول، أما هنا فقد ذكر المناقشة التي جرت بينهم في ذلك، ثم ذكر تدبيره في حطم الأصنام، وإثبات عجز الأصنام بالدليل القاطع، ثم نجاته من النار، فكان بهذا مثبتًا بالعمل أنهم لا ينفعون ولا يضرون، ولما سألوه عمَّا فعل بالأصنام قال متهكمًا:{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} ، فأنطقهم بضلالهم؛ إذ نكسوا ثم قالوا:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} ، وقد أثبت الواقع أيضًا أنَّ الله وحده هو الذي يضر وينفع؛ إذ جعل -سبحانه وتعالى- النار {بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} .
وهنا لا نجد تكرارًا مطلقًا، وإن الموضوع واحد، فهذه قصة إبراهيم، ولكن فرقت في أبواب شتَّى؛ لأن النسق القرآني المعجز اقتضى ذلكح إذ يكون كل جزء مكونًا لقصة ذات عبرة مستقلة في ذاتها، فهي قصة واحدة الموضوع، في قصص متعددة العبر.