٧٠- يقصد بالتلاؤم في الأسلوب أن تأتلف مخارج الحروف والكلمات كما ذكرنا، والانسجام في النّغَم بينها، ويعدُّ القاضي عبد الجبار أنَّ تآخي النغم في الألفاظ والحروف من حلاوة الكلام ومحسناته، ولكنا نقول: إنَّها بالنسبة للقرآن الكريم من تأثيره في النفوس، فهو في القرآن طريق الوصول إلى القلوب، وإنَّ نظمه على ما سنبيِّن يسير هو وأسلوبه بألفاظه ومعانيه إلى القلوب ليأخذها من طبعها الأرضي ليعلوَ بها إلى الأفق السماوي.
ويذكر أبو عيسى الرماني فائدة التلاؤم فيقول:"والفائدة في التلاؤم حسن الكلام في السمع، وسهولته في اللفظ، وتقبل النفس لمعناه، لما يرد عليها من حسن الصورة, وطريق الدلالة، ومثل ذلك مثل قراءة الكتاب في أحسن ما يكون الخط والحرف، وقراءته في أقبح ما يكون من الحرف والخط، فذلك متفاوت في الصورة وإن كانت المعاني واحدة".
وإنَّ الكلام يذاق كما يذاق الطعام، فكلما كان التنسيق والتلاؤم حسن في الذوق.
وإن لغتنا العربية لغة نطق ابتداء، وصارت من بعد لغة كتابة، ولم تنفصل عنها خاصتها، فهي نطق وكتابة، ولذلك كان لمخارج الحروف أثر في فصاحة الكلام، ولا شكَّ أن مخارج الحروف مختلفة منها ما يكون في أقصى الحلق، ومنها ما هو من أدنى الفم، ومنها ما هو في الوسط بينهما، فالتلاؤم فيها بأن تكون الكلمة حروفها متقاربة المخارج، والكلمات متقاربة المخارج ليسهل النطق على اللسان، وتتقبله الأسماع.
فإذا أضيف إلى ذلك التآخي في المعاني كان التلاؤم الكامل، والأسلوب الرابع، وذلك ما جاء في القرآن.