١٤٠- القرآن كل ما فيه معجز، فإيجازه معجز، وإطنابه معجز، وألفاظه معجزة، وأساليبه معجزة، ونغماته ونظمه وفواصله، كل هذا معجز، واستدلاله وجدله وبيانه لا يصل إلى درجته نوع من الكلام، وقد ساق الإمام الباقلاني طائفة من خطب العرب، وأهل اللسن، وأهل الإيمان، طائفة من أبلغها وأقواها، ووازن بينها وبين إلزام القرآن وإقناعه واستدلاله، فوجد أن الموازنة غير لائقه بذات القرآن، والفرق بين القرآن وكلام أعلى أئمة البيان يجعل الموازنة غير مستقيمة، والفرق بينها وبين القرآن هو كالفرق بين الخالق والخلوق؛ لأنه فرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق.
ولعله من الخير أن ننقل تلك الخطبة التي اعتبرها الباقلاني من أعلى ما عرف من بليغ القول، وهي رثاء علي بن أبي طالب -كرَّم الله وجه- لخليفة رسول الله أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه:
"لما قبض أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- ارتجَّت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وجاء عليّ باكيًا متوجعًا، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة.
رحمك الله أبا بكر، كنت إلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأنسه وثقته، وموضع سره، كنت أول القوم إسلامًا، وأخلصهم إيمانًا، وأشدهم يقينًا، وأخوفهم لله، أعظمهم عناء في دين الله، وأحوطهم على رسول الله، وأثبتهم على الإسلام، وأيمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- سننًا وهديًا، ورحمة وفضلًا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده.
فجزاك الله عن الإسلام ورسوله خيرًا، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر، صدَّقت رسول الله حين كذَّبه الناس، فسماك في تنزيله صديقًا، فقال:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}