٩- منذ ابتداء نزول القرآن الكريم على الرسول الأمين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحفظه، ويأمر من حوله ممن يحسنون الكتابة أن يكتبوه، وقد سمي أولئك الذين كتبوا القرآن بكتاب الوحي، ومنهم: عبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وغيرهم كثير ممن كانوا يحضرون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل نزول الوحي بالقرآن عليه، فيملي عليهم ما نزل، ويعلمون ما حفظه في حف ظه الكثيرون من الصحابة، وخصوصًا من كانوا له -عليه الصلاة والسلام- ملازمين، وعلى مقربة منه -صلى الله عليه وسلم.
وكان زوال القرآن على غير الترتيب الذي نقرؤه الآن في السور الكريمة، بل كان ذلك الترتيب من بعد النزول بعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من الله تعالى، فكان يقول -صلى الله عليه وسلم: ضعوا آية كذا في موضع كذا من سورة كذا، فتكون بجوارها متسقة متلاحقة المعنى مترابطة، متناسقة اللفظ، تلتقي بها كأنها تقف معها، وكأنهما كلام واحد قبل في زمن واحد، أحدهما لاحق، والآخر سابق، وكأن المتكلم قالهما في نفس واحد، من غير زمن بينهما يتراخى، أو يتباعد، وذلك من سر الإعجاز، ولا غرابة في ذلك؛ لأن القائل واحد، وهو الله -سبحانه وتعالى- العليم الخبير الذي لا تجري عليه الأزمان، ولا يحد قوله بالأوقات والأحيان؛ لأنه هو خالق الأزمان، والمحيط بكل شيء علمًا.
ولذلك كان ترتيب القرآن الكريم في كل سورة بتنزيل من الله تعالى.
وكان من الصحابة من يحفظه كله، فكان عبد الله بن مسعود يحفظه المكي، ويحفظ المدني، ولكن الرواة قالوا: إنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم المكي فقط، وكذلك جمع أُبَيُّ المدنيّ، وقالوا: إنه عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- ما جمعه بعد الهجرة، وأكبر العرض هو عرض زيد بن ثابت -رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان سنة وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعد أن قرأ الرسول الأمين على روح القدس جبريل القرآن مرتَّبًا ذلك الترتيب الموحى به الذي نقرأ به القرآن الكريم.
وإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلَّا وقد جمع القرآن في صدر طائفة من الصحابة، قيل: إن عددهم مائة أو يزيدون، ونحن نرى أنهم كانوا أكثر من ذلك عددًا، فإنه قتل من القرَّاء في إحدى مواقع الردة عدد يزيد على السبعين، وقيل: على سبعمائة، وربما كان الأول أدق، فإذا كان ذلك العدد مقتولًا فالباقي بحمد الله تعالى