٢٤- إنَّ القراءات كما ذكرنا هي ترتيل القرآن الذي علمنا الله إياه على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم؛ إذ علمه ربه، ونسب الترتيل إلى ذاته العليّة، فقال تعالى:{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان: ٣٢] ، وأمر نبيه بهذا الترتيل هو ومن اتبعه، فقال -تعالت كلماته:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: ٤] فكانت القراءات التي نزل بها القرآن هي تصريف ذلك الترتيل وتنويعه، وكما أنَّ المعاني القرآنية صرفها الله تعالى من الاستفهام إلى التقرير، ومن الاستنكار والتوبيخ إلى التهذيب والتأديب، وكما صرف الله آيائته كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأنعام: ١٠٥] فقد صرَّف تلاوته وترتيله، فكان الترتيل في التأليف الصوتي، والتناسق في النطق، وتنوع ذلك التناسق من ارتفاع ومد طويل، إلى خفض ومد قصير، مما يشبه التأليف الموسيقى، وإن كان أعلى؛ لأنه ليس من صنع البشر، ويجد القارئ في ذلك التنوع ما يجعله يترنم بالقرآن في إجلاله، وروعة بيانه ودقة معانيه.
وأمر ثانٍ يبدو في تنويع القراءات مع ثبوت توارتها، وأنها عن الله العلي القدير، نجد أنَّ اختيار قراءة من القراءات في المقام الذي تناسبه يكون توضيحًا للمعنى، ومناسبًا للمؤدَّى، فمثلًا قراءة الإمالة تكون في الوضع اللين والخطاب الرفيق، ويتركها القارئ الفاهم في موضع التهديد والإنذار إلى قراءة أخرى تناسب التهديد والإنذار.