١٨٤- كل النظم الإسلامية قامت على العدالة؛ إذ كانت الشعارات تدعو إلى التسامح ولو مع الظالم، ويقول قائلها: استغفروا لأعدائكم، فالإسلام يقول: اعدلوا مع كل إنسان ولو كان عدوًّا مبينًا. ومكان التسامح في الأمور الشخصية لا في الأمور التي تتعلق بتنظيم العلاقات الإنسانية، ولذا يقول الله -سبحانه وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل: ٩٠] .
ولقد قال العلماء: إنَّ هذه الآية أجمع آية لمعاني الإسلام، ويروى في ذلك أنَّه عندما شاعت دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأرض العربية، وتناقلتها الركبان، أرسل حكيم العرب أكثم بن صيفي ولده ليسألوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عمَّا يدعو، فتلا عليهم هذه الآية، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل: ٩٠] ، فرجعوا إلى أبيهم، وذكروا له ما سمعوا، فقال الحكيم العربي:"إنَّ هذا إن لم يكن دينًا فهو في أخلاق الناس أمر حسن، كونوا يا بني في هذا الأمر أولًا، ولا تكونوا آخرًا".
والعدل ليس موالاة الأولياء وظلم الأعداء، إنما العدالة للجميع على سواء، والله تعالى يقول مخاطبًا أهل الإيمان:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: ٨] ، فالعدل مع الأعداء المبغوضين كحاله مع الأولياء المحبوبين أقرب للتقوى.