١٨٦- والعدالة كما تكون بين الآحاد تكون بين الجماعات والدول، فقد قامت العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس العدالة، فلا يظلمون شيئًا، ولا يمنعون من خير، والناس جميعًا نسبتهم إلى الله واحدة، لقد كانت الدول حتى التي بلغت شوطًا من الحضارة في عهد نزول القرآن كالفرس والرومان واليونان لا تعترف بأي حق لغير المستوطنين معهم، فغيرهم يعدون برابرة، وليسوا منهم في شيء، حتى إن الإسرائيليين الذين يعيشون في حكم الرومان لا يعتبرون رومانيين، ولا يمنحنون هذه الرعوية وتلك الجنسية، باعتبار أنَّ الجنسية الرومانية شرف لا يحوزه إلَّا الرومان، وكذلك كان الفرس.
وإنَّ من يعيش في بلد آخر يسترقّونه، حتى إنَّ أفلاطون جرى عليه الرق، وعمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- قبل الإسلام قد ذهب إلى أرض الروم فاسترقَّه قسيس روماني، وأظهر عمر الاستسلام، حتى أطمأنّ إليه القسيس وخرج معه إلى الصحراء في أرض الشام، فلوى عمر رقبته -وكان قويًّا في بدنه، كما صار من بعد قويًّا في دينه- وقتله، وهرب بحريته.
جاء القرآن الكريم فحارب التعصب القبلي، والتعصب الجنسي، والتعصب الإقليمي، وجعل الناس كما رأيت أمة واحدة، لا فرق بين عربي وغير عربي، كما أشرنا.
وقامت بذلك العلاقة الدولية على أسس العدل، قال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة: ١٩٠] ، وقال جل وعلا:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة: ١٩٤] .
وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العصبية الجاهلية، وبالأول كان النهي عن العصبية الإقليمية، ولقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه، قال:"لا، وإن من العصبية أن يعين قومه على الظلم".
وسيكون لذلك شيء من البيان عندما نتكلم عن العلاقات الدولية التي نظمها القرآن.
ومهما يكن من إيجاز في هذا المقام فإنه يجب أن نشير إلى أنَّ شرائع القرآن قسمان: عبادات ومعاملات مالية واجتماعية، أساس العلاقات المالية والاجتماعية العدالة.