وإنهم في هذه المنامة يتقلبون كالأيقاظ الأحياء بإرادة الله تعالى وأمره الكوني {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} ، ولا يترك القرآن الكريم من الصورة المكانية شيئًا إلا بيَّنَه وصوره، فيذكرهم وكلبهم يحرسهم وهو بالوصيد، وهو فجوة بالجبل الذي فيه الكهف، فالتصوير القصصي كامل يرى فيه القارئ صورة للمكان، وكأنها مصورة بصورة باهرة، وليست كلامًا متلوًّا، ولكنه كلام الله تعالى العزيز الحكيم.
وإنَّ المكان فيه رهبة وحالهم فيه هيبة {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} .
المشهد الرابع الذي تصوره القصة، وقصص القرآن كله حق لا ريب فيه، وهو تيقظهم بعد الرقدة، وحالهم وقد رأوا الحياة اللاغبة التي كانوا عنها غافلين، وكانوا فيها راقدين، وأوّل سؤال توجّهوا به، سألوا به أنفسهم، كم لبثوا في منامهم، وقد سالهم هذا السؤال واحد منهم، فقالوا كأنهم مجمعون أنهم لبثوا يومًا أو بعض يوم، ولكنهم كشأنهم لم يتخبَّطوا، ولعلهم ظنّوا أن المدة أطول من ذلك، ولذلك قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم، وهنا نجدهم اتجهوا إلى الحياة يطلبون رزقهم، ومعهم نقود فضية قد ضربت منذ تسع وثلاثمائة سنة تكشِف للناس عن أمرهم، وكانوا ككل أهل الإيمان أهل تسامح، فقد طلبوا من مبعوثهم أن يتلطّف، وألَّا يشعر بهم أحدًا، حتى لا يكون منهم أذى، ويظهر أنهم بهذه النقود عثر الناس على أمرهم، وعرفوا حقيقتهم، وكان إلهام الله بذلك ليعرف الناس حقيقتهم، وتكون حياتهم في الكهف ورقدتهم فيه دليلًا محسوسًا على أنَّ وعد الله تعالى بالقيامة حق، ولذا قال سبحانه:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} وهذه كلها مشاهد في القصة تعاين فيها أحداثها في قصص محكم.