للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الحيض، ومن لم تره وهي ثلاثة أشهر، ثم يبين عدة الحامل بعد أن يبين عدة الحائل هنا، ويقول لنفوس محرجة آسفة حزينة عرفت الحاضر والماضي، قد فات إن خيرًا وإن شرًّا، وهي تجهل القابل، فهي تجهل ما يطويه، فيقول سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤] ، ويذكر -سبحانه وتعالى- وجوب النفقة في مواضع وجوبها، وأحوال وجوبها، والإرضاع ووجوبه، ثم يبين مقدار الواجب، على أن يكون على قدر طاقته، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: ٧] .

وهكذا نجد العبارات القرآنية السامية فيها طمأنة النفس على ما يطويه المستقبل، فيجعل لهم رجاء بمخرج يخرجهم، أو يجعل من أمره يسرًا، وإن هذا النوع من القول هو الذي يقال عندما تتأزم النفوس، وتقطّع العلاقات بعد ودٍّ كان دائمًا أو كان يرجى له الاستمرار، ويشترط لتحقيق ذلك الأمر الذي فرج الله به الكروب التقوى والعمل الصالح، وإن هذين إذا تحققا في تلك الحال طابت النفوس ورضيت بالواقع إن لم يكن منه مناص، وغيرته بالإيمان إن كان ثمَّة محل للتغيير.

وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ليعلم الذين يرون أسرة قد ضاقت صدور أهلها حرجًا، واستولى عليها من الحياة الزوجية الصالحة يأس وغلبت شدتها، وذهب رخاؤها أن يفتح باب الرجاء فيها بعد إغلاق الآمال، وأن يكون ميسرًا، ولا يكون معسرًا، وأن يكون مبشرًا، ولا يكون منفرًا.

وإن تلك النصوص القرآنية السامية تجد فيها البلاغة التي تصل إلى أعلى الدرجات في ذاتها لا في نسبتها، فابتدأ الله تعالى الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم، ثم خاطب المسلمين من بعد مواجهته، وخوطبوا بالجمع للإشارة إلى تكافل جمعهم، وتضافرهم وتعاونهم على البر والتقوى في المواطن الحرجة، والاستعانة بالمشورة والرأي، وقد أمر بالرفق بالمرأة، فلا يطلقها إلَّا وهي متصلة بحالة العدة، لكيلا يرهقها بإطالتها، فتكون بين اليأس والرجاء في قلق نفسي، وهكذا استمرَّت الأحكام الرفيقة تبين الآيات منها حكمًا بعد حكم.

وجمال التعبير يشرق دائمًا، وحلاوة النغم تنساب في النفس انسياب النمير العذب، كما تنطلق الأحكام إلى العقل والقلب في اتعاظ واعتبار واهتداء إلى الحق، وفي انسجام فكري.

وإذا كان سرد الأحكام وخصوصًا في موضع دقيق كأحكام الأسرة يكون بادي الرأي في كلام الناس جافًّا غير مشرق، فإن ذلك في كلام الناس، أمَّا في كلام الله تعالى فإنَّه مشرق طيب الأعراق، واضح القسمات في نغم هادئ يطب للقلوب جفاءها، فيذهب، وللنفوس فتنقى الشح، وهو عظة وهداية وتوجيه إلى العدل المطلق المنظم للأسرة في سلامتها وبقائها، وفي فصلها وانتهائها، وسبحان الله العليم الخبير.

<<  <   >  >>