للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآيات القرآنية، وكالتشبيه الذي يقصد به بيان ما أكنَّه سبحانه، وما خلق وما دبَّر فهو تقريب بالمغيب عنه إلى المعلوم لنا، وما عند الله أعظم وأكبر، وقد يكون التشبيه لتقريب المعنى الكلي من المعنى الجزئي، أو لتصوير المعني الكلي في بعض جزئياته؛ كقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: ٢١] فإنه كان عقد المشابهة بين المعنى الكلي وهو المعنى الجامع الذي يوضح به الحقائق بالأمثال التي ضربها وبينها للناس، ومن ذلك الأمثال التي تضرب لتقريب أصل الخق والتكوين من عقول الملكفين، وهكذا. وقد يكون هذا يتضمنه مطوى كلامه، ولكنه غير بيَّن.

ولقد قسَّم أبو الحسن الرماني التشبيه بالنسبة للغرض منه إلى قسمين: فيقول: التشبيه على وجهين: تشبيه بلاغة وتشبيه حقيقة، فتشبيه البلاغة كتشبيه أعمال الكفَّار بالسراب، وتشبيه الحقيقة نحو: هذا الدينار كهذا الدينار، فخذ أيهما شئت".

ونحن نقول: إن ذلك التقسيم يجوز أن يكون بالنسبة لكلام الناس، أمَّا القرآن الكريم فإن كل تشبيهاته فيها البلاغة وفيها الحقيقة، والمثل الذي ذكره وإن كان في أعلى درجات البلاغة هو الحقيقة، فإن التشبيه صادق في الواقع؛ لأن أعمال الذين كفروا هي السراب الذي له واقع، ولكنَّه وهم يسيطر بأبصار ضالّ، فكما أنه لا جدوى منه، والمتعلق به لا يتعلق بأمر واقع، فكذلك إذا رأوا أن أعمالهم فيها خير يعود عليهم فهم واهمون، والصفة المشتركة في التشبيهين هي أن الوهم وهو ما ليس واقعًا، وتصوروه على أنه واقع، فقد تصوروا أن أعمالهم حسنة؛ إذ زينت لهم أمرًا فظنّوه أمرًا حسنًا، كمن يرى السراب فيحسبه ماء وهو ليس بماء.

ولذلك نقول: إنَّ الوجهين محققان في كتاب الله تعالى، ففي التشبيه القرآني الحقيقة الصادقة، والبلاغة القائمة المعجزة، وقد أتى بالأمثلة على وجه التشبيه التي ذكرها، وتبعه الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن، فلا ضير علينا إذا تابعناه، كما تابعه من كان عصره على مقربة من عصره.

١٠٦- وقد ذكر الرماني، وتبعه الباقلاني مثلًا للتشبيه الذي شبه فيه ما لا يقع عليه الحس بما يقع بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: ٣٩] .

هذا ما ساقه الرماني من الآية، ولنتمّه ببيان ما فيها من تشبيه، فقد قال تعالى بعد ذلك: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ، أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٣٩، ٤٠] .

<<  <   >  >>