للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١] .

ونرى من هذا أنَّ المراد السعة في النعمة، وأن السعة في النعمة كالسعة في المكان، وهي تدل عليه، والمراد من الكلام كله الحث على طلب مغفرة الله تعالى، وأن الكلام كله يصور الجنة بأنها خير من الوجود كله، وأنها أوسع، وأنه إذا كانت النار تسع كل المجرمين؛ لأن لها سبعة أبواب لكل باب جزء مقسوم، فالجنة تسع المتقين الأبرار؛ لأنها واسعة عريضة كعرض السماء والأرض.

ومن التشبيه الذي ذكره الرماني على أنه تشبيه ما لا يعلم بالبداهة إلى ما يعلم بها قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] ، ثم قال: "وهذا تشبيه قد أخرج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، وقد اجتمعا في الجهل بما حملا، وفي ذلك العيب لمن ضيع العلم بالاتكال على حفظ الرواية من غير، ولسنا نرى في الكلام ما يدل على أن المشبه لا يعلم بالبداهة، والمشبه به يعلم بالبداهة.

إن الذي نراه ليس علم الرواية وعلم الدراية، وإنما الذي تتجه إليه الآية الكريمة في صدرها ونهايتها، وهو تشبيه علم لا يقرنه العمل، بعدم العلم، فهم يحملون علمًا لا ينتفعون به عملًا، بل يعملون بنقيضه، يحملون علم الهداية ولا يهتدون، كمثل الحمار يحمل أسفارًا.

وكان تشبيههم بالحمار الذي يحمل أسفارًا وهو غير صالح للانتفاع، وفي التعبير القرآني إشارة بيانية تبيّن أن العمل هو ثمر العلم، ولا يقال أنَّه قد نال من أخذه من غير عمل، وذلك قوله تعالى: {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} أنَّ الله حملهم التوارة علمًا لأجل العمل، فعلموها ولم يعملوا بها، فكانوا غير حاملين.

١٠٩- وقد ساق الرماني من تشبيهات القرآن تشبيهات فيها المشبه يكون أضعف صفة من المشبه به فيلحق به؛ لأنه أقوى صفة منها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: ٢٤] ، ويقول في ذلك: "فهذا تشبيه قد أخرج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة فيها، وقد اجتمعا في العظم، إلا أن الجبال أعظم، وفي ذلك العبرة من جهة القدرة فيما سخر من الفلك الجارية مع عظمها، وما في ذلك من الانتفاع بها، وقطع الأقطار البعيدة فيها"، وإن ذلك الكلام حق، فإنَّه إذا كان الجامع بين المشبه والمشبه به القوة، فالجبل أقوى، وإذا كان الظهور فالجبل أظهر، ولكن يلاحظ أنَّ المقصود من التشبيه لا يعني به الرماني كثيرًا، بل تكون عنايته بالأوصاف الظاهرة، أو المقاصد القريبة. وأن المقصود في هذا السياق هو بيان سر الله

<<  <   >  >>