للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأداء، وسمعت كل واحدة كلام الأخرى، وذلك بخلاف شهادة الرجل، فإنه لا بُدَّ أن يسمع كل واحد منهما منفردًا، لكيلا يومئ أحدهما إلى الآخر.

ومن النصوص التي تدل بإشارتها وعبارتها قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: ٢٣٣] .

قد فهمت الأحكام التي ذكرتها الآية الكريمة بالنص، وفهم بالإشارة معانٍ أخرى تلازم ما نص عليه كنتيجة له، وما نص عليه في العبارة هو ملزوم، والثاني لازم له.

ومن ذلك أولًا: أنَّ المولود ينسب إلى أبيه لا إلى أمه؛ لأنَّه المولود له، فاللام تفيد ذلك الاختصاص.

وتفيد ثانيًا: أن المولود لأبيه له عليه شبه ملكية، فمال الولد لأبيه عليه نوع ملك، فالولد كسب أبيه، ولقد صرَّح بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: $"أنت ومالك لأبيك".

ويفيد ثالثًا: أنَّ الأب لا يشاركه في نفقة ولده أحد، وأن الولد لا يشاركه في نفقة أبيه أحد.

ويفيد رابعًا: أنَّ الأصل في الإرضاع أن يكون على الأم، ويجوز الاسترضاع باتفاقهما، وأن أجرة الرضاعة تكون على الأب.

وتفيد خامسًا: أن فصل الولد الذي لا إرادة له على الأم في رضاعته يكون عن تراضٍ منهما وتشاور.

وهكذا نجد أسرار البيان القرآني تتكشف عن طريق هذه اللوازم التي تجيء تبعًا للمنطوق، وتتفاوت فيها الأحكام من غير أن تكلف الألفاظ من المعاني اللازمة ما لا تطيق بتكليف التأويل، وتجيء الأسرار القرآنية العالية التي لا تكون إلّا لكلام الله -سبحانه وتعالى.

ومن الآيات القرآنية التي تدل فيها العبارات على معانٍ من الألفاظ ثم تجيء لازمًا لها عن طريق الإشارة كما يعتبر الأصوليون، أو الكنايات كما يعتبر علماء البلاغة، قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨] فإنَّ هذا النص الكريم أفاد بالعبارة أن الحكم الإسلامي وإدارة الدولة الإسلامية في اقتصادها ونظمها وإدارتها تقوم على الشورى، وهذا ما تفيد الآية بالنص.

<<  <   >  >>