للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنَّ السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن؛ لأن اللفظ لا يقع فيه تابعًا للمعنى، وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه، وبين أن يكون السجع منتظمًا دون اللفظ، ومتى ارتبط المعنى بالسجع كانت إفادة السجع كإفاد غيره، ومتى انتظم المعنى نفسه دون السجع كان مستجلبًا لتحسين الكلام دون ضجيج".

وإننا هنا نجد افتراقًا بين الباقلاني وابن الأثير وابن سنان وأبي هلال العسكري في تعريف السجع، فأولئك يعتبرون السجع ما اتحدت فيه ألفاظ المقاطع، سواء أكان المعنى هو المقصود، وجاء الاتحاد تحسينًا للقول، أم كان المقصد هو اللفظ واتحاد ألفاظ المقاطع هو المقصود، وفي الأول يكون السجع محمودًا، وفي الثاني لا يكون لائقًا بمقام القرآن الكريم.

أما الباقلاني وسائر الأشاعرة، ومن سلك طريقتهم، فإنهم لا يذكرون السجع إلإ في الصورة التي يكون فيها اللفظ مقدمًا على المعنى.

وإن الذي دفع الباقلاني إلى هذا هو تشبيه السجع بالشعر، فالشعر تقصد فيه القوافي والمقاطع المتحدة في الألفاظ ثم تكيف المعاني على الألفاظ ليستقيم المقطع، كما تستقيم القافية، وإذا كان الشعر منفيًّا في القرآن بالاتفاق، فكذلك السجع الذي ينهج منهجه، ويتبع طريقته، وتجيء المعاني تابعة للألفاظ مكيفة بكيفها، مأخوذة بطريقها، وإنَّ الله تعالى عندما استنكر أن يكون قول شاعر ولا كاهن، أدخل السجع في النفي، وهو السجع الذي يكون فيه المقصد الأول للفظ.

وإنه إذا كانت الفكرة نفيًا أو إثباتًا قائمة على الاختلاف في الاصطلاح فإنه قد زال الخلاف؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح.

وبذلك ننتهي إلى الاتفاق على أنَّ القرآن فيه فواصل تتحد فيها المقاطع ولعلوها وسموها في البلاغة كانت المعاني هي المقصد الأول، وجاءت الألفاظ بجمالها وإشراقها وحسن نغمها، ورنة موسيقاها، تابعة لذلك، وقد يكون اتحاد المقاطع في الحروف من مظاهر الجمال وحسن النغم، وانسجام الموسيقي، وفي ذلك قوة التأثير، بما لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله.

وعلى ذلك نقول: إنَّ من يفسِّر السجع بأن الاتحاد في حروف المقاطع من غير أن يكون المعنى تابعًا للفظ يحكم بأن القرآن الكريم فيه سجع فوق قدرة البشر أن يأتوا بمثله، ومن يقول: إنّ السجع كالشعر يكون المعنى فيه تابعًا للقافية والأوزان يكون القرآن الكريم منزَّهًا عنه.

<<  <   >  >>