الإيجاز. وإذا كان الأطناب في منزلة الأمر بحسن أكثر منها، فالإطناب حينئذ إيجاز كصفة ما يستحقه الله تعالى من الشكر على نعمه فإطناب فيه إيجاز".
وإن الرماني يتجه بهذا إلى معان ثلاثة:
أولها: أنه يصف الإيجاز بأن فيه تصفية للألفاظ من الكدرة ودرن القول وحشوه. وأنه البيان عن المعنى بأقل ألفاظ، وأن المعنى الكثير يكون في أقل مقدار من وحشوه، وأن المتكلم أو الكاتب يجهد فكره عند الاتجاه إلى الإيجاز ليأتي بأوجز لفظ يحمل أكبر معنى، وقد قال إمام من أئمة عصرنا في البيان في كتاب أرسله إلى صديق له وأطنب فيه "اعذرني في هذا الإطناب فإنه ليس عندي وقت للإيجاز" لأنه بالنسبة للبشر جميعًا ليس سهلًا، لأن الإطناب فإنه إرسال الحقائق أرسال، أما الإيجاز، فإنه جمع للحقائق في أقل الألفاظ وأجملها، وأبعدها عن الكدر والدرن.
ثانيها: أن الإطناب نسبي، فإنه إذا كان المعنى كثيرًا واللفظ كثيرًا، فإنه يكون إطنابًا، وإذا كان المعنى الكثير يمكن أن تكون ألفاظه أكثر فإن ذلك يكون إيجازًا مسببًا.
ثالثهما: أن كل ألفاظ ذات معان كثيرة، وقد وضعت على قدرها، فإن كان الواضح قلة الألفاظ مع كثرة المعنى كان الإيجاز، وإن كان الواضح الكثرة في اللفظ والمعنى من غير تزيد، بل لمقصد، فهو إطناب.
والقرآن في حالى الإيجاز والإطناب محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.