ومحاولة تأويلها كفر، وإذا كانت المقدمات مظنونة أو مشهورة وليس لها مرادفات ترفعها إلى درجة اليقين، والنتيجة ليست يقينية، فالتأويل يجري في النتيجة والمقدمة إذا كان له مسوغ أو تعارضت طرائق الاستدلال.
وإذا كانت المقدمات مشهورة أو مظنونة، ولكنَّه يتضافر الأدلة تنتج يقينيًّا، والنتيجة تحتمل عدة صور متشابهة، فإن التأويل لا يدخل في المقدمات، ولكن يدخل في النتائج.
وقد تكون المقدمات مظنونة أو مشهورة ولا يقين فيها، ولكنها تنتج نتيجة واحدة لا مثنوية فيها، فإنها لا تقبل التأويل في النتيجة، وتقبل التأويل في المقدمات.
١٥٠- هذه كلمات ابن رشد، وذلك: إن كانت في ذاتها غير بينة واضحة المقصد، ولكن يثار هنا قول، وهو: أيصح أن نقول أن أدلة القرآن خطابية أو جدلية أو برهانية، إننا لا نستطيع أن نقول أنها خطابية كما قد يشير إلى ذلك ابن رشد.
وقبل أن نقطع في ذلك برأي نذكر تعريف الأدلة الخطابية، كما في "الشفاء" لابن سينا، يقول ابن سينا:"إن الحكماء قد أدخلوا الخطابة والشعر في أقسام المنطق، لأن المقصود من المنطق أن يتوصل إلى التصديق، فإن أوقع التصديق يقينًا فهو البرهان، وإن أوقع ظنًّا أو محمولًا على الظنِّ فهو الخطابة، أما الشعر فلا يوقع تصديقًا، لكنَّه لإفادة التخييل الجاري مجرى التصديق، ومن حيث إنه يؤثر في النفس قبضًا أو بسطًا، عدَّ في الموصل إلى التصديق".
والتخييل عنده كما عرفه إذعان للتعجب والالتذاذ تفعله صور الكلام.
ونراه من هذا يضع المنطق والخطابة والشعر في ثلاث مراتب، فالأول يتجه إلى التعيين، وهو أعلى مراتب التصديق، والخطابة تصل إلى مرتبة الظن الغالب، والاتجاه إليها لا يوصل إلا إلى ذلك، والشعر يتجه إلى إثارة الخيال والإعجاب والالتذاذ بصورة الكلام، ولا يؤدِّي في ذاته إلى تصديق إلَّا إذا تضمَّن ما يشبه المنطق، أو يشبه الخطابة، فإنه يؤدي إلى يقين أو إلى ظن.
ولا بُدَّ لنا من أن نذكر أمرين ثابتين:
أولهما: إنَّ الخطابة في أقيستها لا تعتمد إلَّا على الظن، ولا تنتج إلّا الظن، ولكن يجب أن نعلم أن من الحقائق التي تجيء على ألسنة المتكلمين والتي تجري في الأسلوب الخطابي ما هو يقين ينتج قطعًا، ولا ينقص القطعية فيها أنها خلت من صور الأقيسة والأشكال البرهانية، فليست العبرة في اليقين بالشكل، إنما العبرة بالحقيقة أهي مقطوع بها أم غير مقطوع، والشكل البرهاني لا يمنحها يقينًا، كما أن عدم التمسك به لا ينقص يقينها.