وهكذا نرى أن هذه الآيات الكريمات ذكرت بعض المعجزات السابقة، وأضافت إليها معجزتين أخريين.
إحداهما: أنه ينادي الموتى من القبول فتخرج، وذلك في قوله تعالى:{وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى} .
والثانية: أنَّ الله تعالى أنزل عليهم مائدة من السماء.
١٦٤- ونرى من هذا أنَّ الخوارق للعادات كثرت على يد عيسى -عليه السلام، وكان وجوده ذاته خارقًا للعادة؛ إذ ولد من غير أب كما بيَّنَّا، وكلها تدل على أن كل شيء في الوجود هو بإرادة مختار، فعال لما يريد.
وما كان ذلك إلَّا إبطالًا لنظرية وجود الأشياء بالفلسفة التي سادت في العصر الأيوني، ثم انتقلت إلى اليونان، وأخذت تتسع حتى كانت الأفلاطونية الحديثة التي التقت مع النصرانية المحرّفة غير المسيحية الأولى في نظرية العلية، فجعلت العقل الأول هو الأب، والعقل الثاني هو الابن. ثم كانت بعد ذلك الروح القدس المنبثقة من الاثنين أو أحدهما.
ووجود المسيح وحياته، وما أجراه الله تعالى من خوارق للعادات، كانت تحيط بكل تصرفاته وأعماله، كل ذلك كان حججًا قاطعة مثبتة أنَّ العالم كله مخلوق بإرادة حكيم قادر قهار سميع بصير مريد مختار.
١٧٢- وإن قصة أهل الكهف التي أشرنا إليها في بعض ما قلناه، وقد حدثت بعد المسيحية على ما يبدو من وقائعها، كانت فيها إرادة الله ظاهرة في بيان سر هذا الوجود، وأنَّ الفاعل له مريد مختار لا يتقيد في إيجاده لخلقه بأن يكون وجود الأشياء مربوطًا بالعلة والمعلول، بل هو مربوط بإرادة حكيم بفعل ما يشاء ويختار، ولنتلها عليكم، ولا مانع من تكرار تلاوتها، إن كنا قد تلوناها هي من قبل.