فكانت واقعة أهل الكهف، وظهورهم بعد ثلاثمائة سنة وتسع، وهي وقت الانحراف المسيحي في الاعتقاد دليلًا قويًا على بطلانه، وعلى بطلان الأساس الذي قام عليه، وهو مذهب الأفلاطونية الحديثة، الذي يقوم على أنَّ الموجودات علة لمعلول، وليست من خالق مريد قادر.
١٧٣- أطنبنا بعض الإطناب في ذكر الخوارق التي هي بعض ما جاء في القرآن الكريم، وذلك لأمرين: أولهما: أنَّ التوحيد الذي هو لبّ العقيدة الإسلامية، بل هو اللب في كل الأديان السماوية، يقوم على أوصاف ثلاثة:
الأول هو: وحدة الخالق في إنشاء الكون، ووحدانيته في ذاته، فهو منزه عن المماثلة للحوادث، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ووحدة المعبود، وهو الله -سبحانه وتعالى.
الثاني: أنَّ الله تعالى مريد مختار فعَّال لما يريد، وأنَّه أنشأ كل ما في الوجود بإرادته وقدرته، ولم ينشأ عنه نشوء المعلول عن علته.
الثالث: ثبوت الرسالة الإلهية للمصطفين من خلقه، ولا تثبت الرسالة إلَّا بأمره.
الأمر الثاني: الذي من أجله أفضنا في ذكر بعض الخوارق، ولم نضنّ على القرطاس فيه، أنَّ بعض الذين يجعلون أمور الدين خاضعة للتجارب ويحسبون أنهم يخدمون القرآن، يدَّعون أنَّ رسالة محمد قامت على العقل ولم تقم على الخوارق، وأن القرآن الذي هو حجة محمد الكبرى خاطب العقول ولم يخاطب بالخوارق، وجرت عباراتهم بما يفيد أنَّ الإسلام لا يعرف الخوارق، إلى درجة أنَّ بعض علماء اللاهوت المسيحي سألنا: هل القرآن يعارض الخوارق والمعجزات، فأجبنا سؤالهم بأنَّ القرآن سجّل معجزات الأنبياء، وها نحن أولاء نبيِّن بعض ما في هذا السجل الخالد.