وقد قال -صلى الله تعالى عليه وسلم: $"خذوا عنِّي مناسككم" لقد بيِّن القرآن أركان الحج وأشهره ومواقفه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- فصَّل واجباته، وكن بيانه أكثره عملي.
ومن العبادات الصوم، وقد طالب القرآن به إجمالًا، وذكر وقته، والأعذار التي تبيح الفطر في الجملة، وأشار سبحانه إلى حكمة اختيار شهر رمضان لفرضية الصوم، كما قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: ١٨٥] .
وهنا يرد على الخاطر سؤال: لماذا بيَّنَت العبادات بالقرآن إجمالًا مع تأكيد طلبها، والتفصيل فيها -إن استثنيت الحج- كان قليلًا، ولا يمكن أن تقال العبادة على وجهها مع ذلك الإجمال.
والجواب عن ذلك: إنَّ العبادات هي لب الدين، وهو قوام اليقين، وهي ذكر الله الذي به تطمئن القلوب، وهي التي تربِّي الضمير وتنيره وتقيمه، وهي التي تربي الضمير الجماعي، والوجدان الإنساني، وروح التعاون بين الناس بعضهم مع بعض.
والعبادات هي قوام الجماعات؛ لأنَّ تكوين الجماعات لا يكون إلَّا بأمر معنوي يؤلف بينهم، ويزيل النفرة، وذلك بأن يكون المؤمن ربانيًّا يتجه إلى رب الخلق، ويسير على ميزان الحق.
ولهذه المعاني في العبادات، وعموم تطبيقها على كل المؤمنين، كان لا بُدَّ من تربية عملية عليها، وقدرة حسنة في تنفيذها، وأسوة من الرسول في القيام بها، وأن تتوارث تلك الأسوة الأجيال، وتكون مع القرآن اتصال الرسالة المحمدية، ولذلك تثبت أحكام العبادات التفصيلية بسنة النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- المتواترة التي عرفها المسلمون جمعًا عن جمع باقية إلى يوم القيامة.
ولا شيء من العبادات يثبت بالقياس، بل يثبت بإيجاب القرآن، وعمل الرسول -عليه الصلاة والسلام.
٢- الكفارات:
١٨٨- الكفارات، وهي تأخذ جانبيين: جانب العقوبة المادية على ذنب ارتكب، أو خطأ ترتَّب عليه أذى غيره، وكان يجب الاحتراس من ذلك، والجانب الثاني فيها