وبهذا نجد وجوب التعاون بين الأسرة بمعناها الممتد، فهي تتعاون في غرم الجرائم تدفعه، وفي تعويضها تأخذه، ولذلك لا يجب إلَّا إذا كانت الأسرة مؤمنة، أو كان بينها وبين المسلمين ميثاق تجب بمقتضاه الديات، ولا تسقط إلَّا إذا كان من قوم عدو للمؤمنين، فإنَّ الدية تكون إعانة لهم على الاعتداء.
ونجد أن الله -سبحانه وتعالى- ذكر في القرآن الحكيم أنه لا إثم على من يأكل في بيوت هؤلاء عند الاحتياج، ونفي الإثم يشير إلى أنه الحق؛ إذ إن تناول الحقوق لا إثم فيه.
وقد يقال: إن ذلك لم يكن مقتصرًا على القرابة، بل ذكر الصديق، فدل على أن الحق ليس سببه القرابة، ونقول: إنَّ ذلك الحق سببه العجز ابتداء، ولذلك ذكر في أول الآية ذوي العجز عن الكسب، فكان الكلام كله في أهل العجز، ولكن الأخذ كان للقرابة ابتداء، فإن لم تكن له قرابة يلزمها الشرع، كانت المودة التي توجبها الصداقة مبررًا للأكل، وإن كان لا يلزم الصديق بذلك قضاء، فإنه يجب عليه دينًا ويأثم فيما بينه وبين الله إن كان قادرًا، ومع ذلك يترك صديقه يتضور جوعًا، ولذلك كانت المؤاخاة.
وفي ذلك إرشاد خلقي اجتماعي حكيم لواجبات الأصدقاء نحو أصدقائهم.