ولكن يحاسبون على ما ارتكبوا قبل التوبة، وللفقهاء كلام طويل في هذا، وفي توزيع العقوبات على الجرائم، فليرجع إليه في كتب الفقه، ففيها ما يشفي غلة الصادي المتطلع.
ومن الناس من يلهجون باستغلاظ هذه العقوبة، ويحسبون آثمين أنها ليست إنسانية، وأولئك ينظرون إلى العقوبة ولا ينظرون إلى الجناية، ويرحمون الجاني ولا يرحمون المجني عليه، والمجني عليه هنا الجماعة، أولئك يخرجون بقوة واتفاق، لا ليقيموا حقًّا أو يخفضوا باطلًا، بل لمجرد أذى الجماعة، وينتهكون كل حركة، يقطعون الطريق على السابلة، ويزعجون الجماعة، فلا بُدَّ أن تكون العقوبة كفاءً لما يرتكبون ورادعة، والعدالة الإنسانية توجب المساواة بين مقدار الجريمة ومقدار العقاب، وكلما عظمت الجريمة كان لا بُدَّ من عقوبة تناسبها، وكما قال النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم:"من لا يرحم لا يُرْحَم"، وذلك هو منطق العدل، ومنطق العقل.
ولو أنَّ تلك العقوبة عوقبت بها العصابات المخرّبة التي لا تبقي على شيء إلَّا انتهكت حرماته، ولها ميزانية من السرقات تبلغ أحيانًا ميزانية الولاية أو الدولة التي تكون فيها، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} .
٢٠٧- وإنَّ الجريمة التي تقترب من جريمة الحرابة جريمة السرقة، بيد أنهما يفترقان، فالسرقة أخذ المال في خفية من حرز مثله، بينما الحرابة أخذ المال بقوة لا يلاحظ فيها الاختفاء، ولكن يلاحظ الأمن من الاستغاثة وإجابة المستغيث، فهي في خفاء عن المجتمع، لا في خفاء عن صاحب المال، ويفترقان في أن هذه جماعية تخرج بقوة تقاوم قوة الدولة، ويفترقان في أنَّ الحرابة تتعدد فيها أنواع الجرائم، والسرقة لا تتعد فيها أنواع الجرائم، ولذلك تتعدد فيها العقوبة.
ويتفقان في أمرين: أحدهما: إن في الجريمتين إفزاع الناس وإزعاج الآمنين، فلا يأمن أحد على نفسه أو ماله، ويتفقان أيضًا في أنَّ التوبة تقبل من قطّاع الطريق قبل القدرة عليهم، وتقبل في السرقة على قول كثيرين من الفقهاء، وهذا يتفق مع نص القرآن الكريم.