الصحابة علي -كرَّم الله وجهه- عقوبتها من عقوبة القذف، وقد جاءت النصوص القرآنية مشيرة إلى مضار الخمر، وأنها شراب مذموم، وجاءت بالنهي عنها، وأول آية نزلت مشيرة إلى أنها أمر غير حسن قوله تعالى:
وقد كان ذلك النص متضمنًا استهجانًا لها، وهو استهجان ببيان أنها شيء غير مستحسن في ذاته، فهو مقابل للأمر المستحسن. والمقابل للمستحسن لا يكون إلا مستهجنًا.
وكان ذلك أول تنبيه للعرب باستهجانها؛ لأنهم كانوا يألفونها في جاهليتهم ويتفاخرون بشربها كما يفعل أهل الجاهلية في هذا الزمان الذي نعيش فيه.
وهذه الآية نزلت في مكة، فلما كانت الهجرة، وأشرب المسلمون حب الإسلام أشار القرآن إلى ما يوجب تحريمها، فقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: ٢١٩] .
وقلنا: إنَّ هذا النص السامي يوجب تحريمها؛ لأنَّ كل أمر غلبت مضاره على منافعه يوجب العقل أن يحرمه الإنسان على نفسه، لأنه ما من شيء إلا فيه نفع نسبي وضرر نسبي، والعبرة بما يغلب، ولكنه ليس تحريمًا صريحًا، ولذلك بعد هذا النص كان عمر -رضي الله عنه- يقول: اللهم بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا.
وإن النفس العربية كانت قد ألفت شربها وتعودته، فلا بُدَّ من تربية تخلع هذه العادة غير الحسنة، فجاء النصّ الآخر الكريم ليربِّي النفس على البعد عنها، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣] .
وإنَّه لا يتصور إيمان من غير صلاة، فالصلاة أمر محتوم، وقد نهى عن أن يقربها وهو سكران، حتى يعلم ما يقول: والعلم بما يقول هو العلم ما ينبغي قوله، وما لا ينبغي، ونتائج القول، وتحري الصدق، وكل هذا لا يكون إلَّا من ذوي وعي كامل مدرك لحقائق الأمور وغاياتها، ولا يكون ذلك إلَّا إذا كان على بعد من الشرب بوقت طويل، وقال -سبحانه وتعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} ، ولم يقل: لا تدخلوا في الصلاة؛ لأنَّ النهي عن المقاربة أبلغ من النهي عن الدخول.
وإذا كانت الصلوات خمسًا موزَّعة في النهار وزلفًا من الليل، فإنه لا بُدَّ أن يكون على صحوٍ كامل من قَبْل الفجر حتى لا يقرب صلاة الفجر وهو لا يعلم ما يقول، ولا بُدَّ أن يكون في صحو قبل الظهر، ولا بُدَّ أن يكون الصحو مستمرًّا إلى العصر،