للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد نزلت آية في تحريم الربا تحريمًا لا يقبل أي تأويل، ولو كان فاسدًا، كالذي قيل في معنى الربا في الآية السابقة، فقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ، إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٥-٢٨١] .

هذا نص صريح قاطع في التحريم.

٢١٩- ولكن قومًا ممن تعلموا علم الإسلام لم يأخذوا بظاهر معناه، بل لأنهم عودوا المناقشة اللفظية في الألفاظ، وإلقاء ظلال من الإبهام على معانيها الواضحة البينة، وقد لانت نفوسهم، وأخذوها لحكم الزمان لا لحكم القرآن، وكأنهم تعلموا ليخرجوا الكتاب على غير مخارجه، ويتأوَّلوه بغير متأوله، ومرنوا على ذلك، وأضلوا كثيرًا بعد ضلالهم.

إذا جاءك رجل وقال لك: أشك في أن هذه الشمس التي هي السراج المنير هي الشمس المذكورة في القرآن، أتصدق له قولًا؟ أم تحسب لكلامه وزنًا، أم تجعله في ظلّ العلماء المشتغلين بالدراسات الإسلامية أيًّا كان لونهم، وأيًّا كان زيهم.

إن رأيت ذلك ففي المتفيهقين من الذين يتكلمون في القرآن وعلوم الإسلام من قال إن عمر قال: "إن للربا تسعة وتسعين وجهًا" ثم يردفون ذلك بأن يقولوا: إن لفظ الربا في القرآن كان غير معروف لعمر، فكيف يكون واضحًا لدينا. كبرت كلمة تنطق بها أفواههم التي أثمت بالقول في كتاب الله تعالى بغير علم.

من هؤلاء تجدنا مضطرين لأن نشرح معنى كلمة الربا، وإن كنا نقول: إن الشمس التي نراها هي التي في القرآن.

يقول أبو بكر الرازي الشهير بالجصَّاص في كتابه "أحكام القرآن": إنَّ الربا قسمان ربًا لغويّ يعرف من اللغة وهو ربا القرآن، وهو ربا الجاهلية، وهو أن يزيد في الدَّيْن في نظير الزيادة في الأجل. والقسم الثاني: هو الربا الاصطلاحي وهو الذي جاء في الحديث

<<  <   >  >>