ومع أن الله تعالى أمرنا بردِّ الاعتداء بمثله في قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ،أمرنا بالتقوى، فقال سبحانه:{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة: ١٩٤] ، ولذلك يجب علينا عند المعاملة بالمثل أن نستمسك بالفضيلة، فإنَّ الفضيلة هي القانون العام في كل معاملة إنسانية، فإذا كان العدوّ يقتل الذرية لا نقتلها، وإن كان ينتهك الأعراض لا ننتهكها، وإن كان يخرّب ديار الآمنين لا نخرّبها ما وسعنا ذلك. وهكذا.
وإنَّ الإسلام قرر مبدأ الوفاء بالعهد وشدَّد فيه القرآن، فقال تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[الإسراء: ٣٤] .
أولها: إنَّ نقض العهد يؤدي إلى الزلل، ومع الزلل الضياع، فهو ليس حكمة ولا تدبيرًا، ولكنه خطل.
وثانيها: إنَّ العهد الذي يوثق بيمين الله أو بإشهاد الله تعالى عليه هو عهد الله إذا اتخذ الله كفيلًا، فمن ينقضه فإنما ينقض عهد الله تعالى الذي وثقه بكفالته.
وثالثها: إنَّ العهد في ذاته قوة، والتزامه قوة، ولذا شبَّه من ينقضه بحال الحمقاء التي تغزل غزلًا وتفتله، ثم تنقضه أنكاثًا، أي: أجزاء صغيرة، فالعهد يثبت السلم، وفي السلم قوة وقرار، والنقض إزالة له.
ورابعها: إنَّه لا يصح أن تكون سعة الأرض وزيادة السلطان سببًا في الغدر، ولذلك قال -سبحانه وتعالى- في بواعث الغدر أن تكون أمة هي أربى من أمة، أي: أوسع أرضًا، وأكثر عددًا، وأقوى سلاحًا، فلا يصح أن يكون التوسع باعثًا للغدر؛ لأنه يؤدي لا محالة إلى الضعف.