وفي القرآن الكريم ما يومئ إلى محاولة إلى محاولة الإنسان الارتفاع في القضاء، فالله تعالى يقول:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ، فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ، فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: ٣٣- ٣٦] .
واقرأ آيات القرآن في السحاب وإرساله وأحواله، فإنك تجد توجيهًا إلى ما لم يكن الناس من قبل يتَّجِهون إليه، ودلَّت المشاهدات على أنه واقع، اقرأ قوله تعالى في وصف السحاب:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرِْهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[النور: ٤٣] .
وترى من هذا تشبيه السحاب الذي أزجاه الله تعالى بالجبال، وهذا لا يبدو للسائر على سطح الأرض، ولا للواقف على آكامها ومرتفعاتها، وما كان ذلك معلومًا عند العرب، ولكن الذي يرتفع فوق السحاب في الطائرات التي تقطع أجواء الفضاء يرى السحاب جبالًا.
وإنَّ هذا بلا شكٍّ نوع من العلم بالكون فوق ما فيه من دلالة على إعجاز القرآن؛ إذ إن ذلك الوصف لا يمكن أن يكون من محمد؛ لأنه لم يرتفع حتى يكون فوق السحاب، فلا بُدَّ أن يكون الوصف بعلم الله تعالى، والكلام كله من عند -سبحانه وتعالى، لا من عند محمد.
وأنت ترى أوصافًا كثيرة للأرض والسماء لا تكون من الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، أو لا يعلم علوم الكون وما يجري فيه، وما كانت معروفة عند العلماء في عصر نزول القرآن، كالعلم بطبقات الأرض والسماء، ذكرها القرآن، والباحثون لا يزالون دائبين في البحث عنه، وعلمهم يصدق بالقرآن، اقرأ قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق: ١٢] .