هذه الآيات البينات فيها كشف عن النفس المؤمنة المطمئنة الراضية، وكشف عن النفس الحاسدة الحاقدة:
"أ" وهي تدل على أمور نفسية تصوّر مصدر الشر والخير، فالنفس المؤمنة تعرف الأمور على وجهها، وتدرك الحق وما أوجبه، فهي ترد سبب قبول القربان إلى التقوى والخوف من الله.
"ب" والنفس التقية هي التي تمتلئ بذكر الله وتستشعر خوفه دائمًا، وأنَّ الاعتداء إنما يكون حيث يختفي الخوف ويظهر الطغيان، ولذلك علّل عدم رد الاعتداء الذي بادره به أخوه بأنه يخاف الله رب العالمين، وأنَّ القتل إنما هو جريمة في حق من خلقهم الله تعالى، وهو ربهم.
"ج" وتشير الآية إلى النفس منطوية على الخير، وأنَّ الشر عارض لها، ولذا رد المؤمن التقي قول أخيه وتهديده بالقتل بقوله:{مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} ، وفي هذه إشارة إلى أنَّ النفس التي لم تدنس بشر ليس من شأنها أن تبسط يدها بالقتل.
"د" والآيات تدل على أنَّ الحسد هو أساس الاعتداء، فلو انخلع من القلوب ما كان شر ولا اعتداء في الأرض.
"هـ" وتدل الآيات أيضًا على أنَّ الاعتداء بالأذى ليس هو الأصل بالنفس الإنسانية، فهو عندما اتجه إلى قتل أخيه عالج نفسه ليحملها على مطاردته في قتله، ولذا عبَّر الله -سبحانه وتعالى- عن ذلك بقوله تعالت كلماته:{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ؛ لأنه خسر أخاه وخسر نفسه، فأفسدها.
"و" وتدل ثالثًا على أن رؤية المعتدى عليه، والاعتداء قائم يبعث على الندم، والآيات من بعد ذلك تبيِّن أنَّ أساس الكثير من الجرائم هو الحسد، فلو اجتثَّ من النفوس ما كان اعتداء، ولكن الله تعالى يبلو به الناس ليعلم الخير والشر.
ولا شكّ أن الدارس للنفس الإنسانية يجد في القرآن معينًا لا ينضب، ولو أن الناس عكفوا عليه لوجدوا فيه أعظم مصدر للدراسات النفسية والاجتماعية.