للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان بجوار هذه الروح المادية التي سادت بني إسرائيل استجابة لما هو سائد في عصرهم الروماني الذي كان يؤمن بالمادة، كان بجوار هذا إيمان بالأسباب العادية والمسببات، بحيث يعتقدون أنه لا يمكن أن ينفكَّ السبب عن مسببه، واللازم عن ملزومه، فلا توجد نتائج من غير سبب عادي، فهلَّا ولد من غير والد، ولا حياة تكون بعد موت من يموت، فلا يرتد حيًّا، وقد عجزت الأسباب عن أن يرتدَّ حيًّا من يموت، وعجزت الأسباب عن أن يرتدَّ بصيرًا من يولد أعمى.

لقد سادت الفلسفة الأيونبه، والفلسفة اليونانية التي تقرر لزوم الأسباب العادية، حتى لقد فرضوا أن الأشياء نشأت عن الخالق لها بقانون السببية، فقالوا: إن الكون نشأ عن المنشئ الأول نشوء المسبب عن سببه بلا إرادة مختارة منشئة. لقد قرروا أن قانون الأسباب هو الذي يحكم كل شيء.

لذلك كانت معجزات عيسى -عليه السلام- متضمنة الرد والتنبيه في أمرين:

أولهما: بيان سلطان الروح، فقد ظهرت الروح مسيطرة موجهة مرشدة في أنه كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وفي أنه -عليه السلام- أحيا الموتى بإذن الله، وأخرجهم من قبورهم بإذن الله، وأنزل عليه مائدة من السماء بإذن الله تعالى.

وثانيهما: أنه كانت معجزاته -عليه السلام- هادمة لارتباط الأسباب العادية بمسبباتها، لقد ولد من غير أب، والأسباب العادية تقرر أنه لا مولود من غير والد، وتكلَّم في المهد صبيًّا، وذلك غير المقرر في الأسباب والمسببات، وأخبر عن بعض المغيب عنه، وذلك غير الأسباب العادية التي توجب المعاينة في صدق الأخبار، وأحيا الموتى بإذن الله، وذلك ما لا يتحقق في الأسباب العادية.

<<  <   >  >>