للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحانه: من نشاء من عبادنا. فبيِّن سبحانه سلطانه على القلوب، وخصَّ بالهداية من شرَّفه بأنه من عباده، تعالى سلطانه، وقام عدله، وفي هذا إشارة بيانية إلى أن الذي شاء الله تعالى هدايته هو من خلص نفسه، وجعلها الله وحده، وشرف بأنه من عباد الله لا من إخوان الشياطين.

ولقد شرَّف الله تعالى نبيه بأن نسب إليه هداية الإرشاد، وبيان السبيل فهو نور معه نور الكتاب، ولذا قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أكَّد الله تعالى عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيان سبيل الحق والدعوة إليه، وأنَّه المستقيم الذي لا عوج فيه ولا اضطراب.

فهنا هدايتان: أولاهما: هداية التوجيه والإرشاد وبيان الحق ودعوته، وهي للرسل؛ لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فمن علم واستنار واهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنِّما يضل عليها، وما الله بظلام للعبيد، والهداية الثانية العليا، وهي امتلاء القلب بالإيمان بعد أن سار في طريقه وأرشد إليه، وهذا لمن يشاء الله هدايته من عباده المؤمنين.

وقد ذكر الله تعالى من بعد ذلك الحكم العدل بإعطاء الطائع جزءاه من ثواب، وما يستحقه العاصي من عقاب، فقال تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُور} أي: وإليه وحده مآل الأعمال كلها، وكل امرئ بما كسب رهين، فمن عمل صالحًا فله جزاؤه، ومن عصى وبغى نال عاقبه ما عمل.

ونرى من هذا تآخي المعاني في الآيات، وتسلسل ما ترمي إليه، فبيِّن أولًا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم، وإعطاء الدليل بمجزة القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وذكر ثانيًا الحجّة على صدق القرآن، ثم أشار إلى أنه نور، وذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الإرشاد وبيان الحق والطريق إليه، وأن الهداية من بعد ذلك.

هذا تآخي المعاني، وكون كل معنى مقدَّم للذي يليه والتالي مبني عليه ودعامة لما بعده، أمَّا تآلف الألفاظ في النغم والحروف فأمر فوق طاقة البشر.

وإنه ليتألَّف من هذا الكلام صور بيانية للوحي، والقرآن ونوره وهداية الأنبياء وموضعها، وهداية الله تعالى، وثمرتها في القلوب، وكونه لعباد الله المخلصين، لا لعبدة أهوائهم وشهواتهم.

<<  <   >  >>