للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل الروعة الدينية لهذا العهد، والمستوى العقلي لأهله، ووضوح حاجات حياتهم العملية، وتطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن تطبيقا عمليا فى حياته، حتى قالت عائشة: كان خلقه القرآن، كل هذا جعل حاجتهم إلى التفسير غير كبيرة، خصوصا أنهم كانوا يعيشون فى معاني القرآن، ويتسابقون إلى العمل بآياته قبل ان يحفظوا الجديد منها، إلى جوار بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لمجمل القرآن، وتوضيحه لمشكله، وتخصيصه لعامه، وتقييده لمطلقه، فمن ذلك بيانه لمواقيت الصلوات الخمس وعدد ركعاتها وكيفيتها، وبيانه لمقادير الزكاة وأوقاتها وأنواعها، وبيانه لمناسك الحج. فكان القدوة الحسنة فى السلوك القرآنى، والتطبيق العملي لأوامر القرآن. ولذا

ورد فى الحديث: (صلوا كما رأيتمونى أصلى) .

ومن توضيح المشكل: تفسيره صلى الله عليه وسلم للخيط الأبيض والخيط الأسود فى قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) «١٢» ، بأنه بياض النهار وسواد الليل.

ومن تقييد المطلق، تقييده اليد باليمين فى قوله تعالى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) «١٣» .

وكان صلى الله عليه وسلم يبين لهم معاني القرآن وأهدافه، وروحه العامة، فى سفره وإقامته، وحربه وسلمه، وغزوه وجهاده، حتى قال يحيى بن أبى كثير: السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاص على السنة. وعن الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل، وقد سئل عن قول يحيى هذا، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ان السنة تفسر الكتاب وتبينه.

[التفسير فى عصر الصحابة]

كان القرآن هو المرجع الأول للمسلمين فى ذلك العصر أيضا، يقرءونه فى صلاتهم، ويهدرون به فى غزوهم، ويرتلونه فى قيام ليلهم.

وكان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إذا لم يجدوا التفسير فى كتاب الله تعالى، ولم يتيسر لهم أخذه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجعوا فى ذلك إلى اجتهادهم واعمال رأيهم، وساعدهم على التفسير، أنهم عرب خلص، يعرفون معاني اللغة وأسرارها، وأنهم عاشوا فترة نزول الوحى مع النبي، فعرفوا أسباب النزول، وأدركوا ما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات، تعين على فهم كثير من الآيات، لهذا


(١٢) سورة البقرة: ١٨٧.
(١٣) سورة المائدة: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>