للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبيل لتصوير جميع مؤلفات مقاتل بن سليمان، بغية التثبت من نسبة هذا القول اليه، من كلامه هو لا من كلام الناس عنه «٢٥» .

- ٦- الاستواء على العرش فى ضوء المذاهب

إذا أردنا تطبيق المذاهب الثلاثة على قوله سبحانه الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «٢٦» - وجدنا ان الجميع من سلف وخلف يتفقون على ان ظاهر الاستواء على العرش، وهو الجلوس عليه مع التمكن والتحيز مستحيل، لان الادلة القاطعة تنزه الله عن ان يشبه خلقه، او يحتاج الى شيء مثلهم، سواء أكان مكانا يحل فيه ام غيره، وكذلك اتفق السلف والخلف على ان هذا الظاهر غير مراد لله قطعا، لأنه تعالى نفى عن نفسه المماثلة لخلقه، واثبت لنفسه الغنى عنهم، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٢٧» وقال هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «٢٨» ، فلو أراد هذا الظاهر لكان متناقضا.

ثم اختلف السلف والخلف بعد ما تقدم، فراى السلف ان يفرضوا تعيين معنى الاستواء الى الله، فهو اعلم بما نسبه الى نفسه واعلم بما يليق به.

وراى الخلف ان يؤولوا. لأنه يبعد كل البعد ان يخاطب الله عباده بما لا يفهمون، وما دام ميدان اللغة متسعا للتأويل فالتأويل واجب.

بيد انهم افترقوا فى هذا التأويل فرقتين:

فطائفة الاشاعرة يؤولون من غير تعيين ويقولون: ان المراد من الآية اثبات ان الله تعالى متصف بصفة سمعية لا نعلمها على التعيين، تسمى صفة الاستواء «٢٩» .

وطائفة المتأخرين يعينون فيقولون:

ان المراد بالاستواء هنا هو الاستيلاء والقهر، من غير معاناة ولا تكلف، لان اللغة تتسع لهذا المعنى، ومنه قول الشاعر العربي:

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق


(٢٥) وقد صورت نسخة من كتاب تفسير خمسمائة آية من القرآن لمقاتل بن سليمان، وهو محفوظ بالمتحف البريطانى برقم (٦٣٣٣) ، كما صورت نسخة من كتاب الوجوه والنظائر لمقاتل بن سليمان المحفوظ بمكتبة عمومية بتركيا تحت رقم ٥١٦. وقد قمت بتحقيقه وطبعته المكتبة العربية بالهيئة المصرية العامة للكتاب.
(٢٦) سورة طه: ٥.
(٢٧) سورة الشورى: ١١.
(٢٨) سورة فاطر: ١٥.
(٢٩) انظر دائرة المعارف الاسلامية (مادة توحيد) : ٥/ ٥٣٢ فقرة ٤ مذهب الأشعري، ٥/ ٥٣٦ توسط الأشعري.

<<  <  ج: ص:  >  >>