للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق «٢٤»

وقال بعض المعتزلة ان كلمة استوى «معناها قصد او اقبل على خلق السموات» «٢٥» .

وفى النهاية نرى ان تفسير مقاتل للاستواء بمعنى الاستقرار «والتمكن والقعود والجلوس» فوق العرش- تفسير يشعر بالتجسيم (اى بان الإله جسم) ، وهو تفسير غريب عن الإسلام، لعل مقاتلا تاثر فيه بالاديان الاخرى التي نشأت فى بلدته بلخ، كالزرادشتية والمانوية والبوذية والنصرانية.

وقد ذهب السلف الى ان الاستواء من المتشابه الذي نؤمن به مع التفويض والتنزيه.

اما الخلف فقد حملوه على معنى الملك والاستئثار بالملك ونحو ذلك.. على مقتضى اللغة ولسان والتخاطب.

ولا يسع المنصف الا ان يختار واحدا من هذين المذهبين بدون تجسيم ولا تعطيل.

٢- الكرسي

(ا) ذهب مقاتل الى تفسير الكرسي تفسيرا ماديا، وهذا مما يشعر بالتجسيم، ويترتب عليه الاستقرار المكاني ولا يكون ذلك الا للجسم «٢٦» والإله منزه عن ذلك.

جاء ذلك فى تفسير آية الكرسي (البقرة/ ٢٥٥) :

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ قال مقاتل- فى تفسير سنة- يعني ريح من قبل الرأس، فيغشى العينين وَهُوَ وسنان، بين النائم واليقظان.

ثُمّ قال جل ثناؤه: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) .


(٢٤) تنزيه القرآن عن المطاعن: ١٥٧- ١٧٩، وانظر نفس البيت مع تبديل كلمة بشر بعمرو، المواقف: ٢٩٧. ويضيف الإيجي بيتا آخر:
فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر وطائر
(٢٥) البغدادي: اصول الدين: ١١٢، والصواعق المرسلة: ٢/ ١٢٦، ١٣٥ وانظر ورقة ٨١ «رسالة فى تعريف علم التفسير» مخطوطة بدار الكتب المصرية.
(٢٦) لان كل متمكن على جسم لا محالة مقدر، فاما ان يكون اكبر منه او أصغر منه او مساويا له، كل ذلك لا يخلو من التقدير، ولو جاز ان يماسه تعالى جسم من جهة ما لجاز ان يماسه فى سائر الجهات فيصير محاطا به.
(انظر ابن حنبل: الرد على الجهمية: ٣٣، الدارمي: رد الدارمي على بشير المريسي: ١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>