للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفريق آخر لم يجدوا بأسا ولا حرجا من تفسير القرآن باجتهادهم، معتمدين على درايتهم باللغة وأساليبها، وما يتصل بذلك من العلم بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ.

قال الماوردي: «قد حمل بعض المتورعين هذا الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبها الشواهد ولم يعارض قواعدها نص صريح، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر فى القرآن واستنباط الأحكام، كما قال تعالى: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) «٤٣» . ولو صح ما ذهب اليه لم يعلم شيء من استنباط، ولما فهم الأكثر من كتاب الله، وان صح الحديث فتأويله:

«ان من تكلم فى القرآن بمجرد رأيه فقد أخطأ» «٤٤» .

وقد كان أكثر من قام بالتفسير العقلي علماء العراق أصحاب مدرسة الرأى فى التشريع، وتلاميذ ابن مسعود أستاذ أصحاب الرأى.

وقد فرق قوم بين التفسير والتأويل، بناء على الاعتماد على النقل والعقل.

فعنوا بالتفسير ما اعتمد فيه على النقل، مما ورد عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصدر الأول، وخاصة فى الأمور التوقيفية التي ليس للعقل فيها كبير مجال، كتفسير الحروف المقطعة: الم، حم، يس، وكأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وعنوا بالتأويل ما يعتمد فيه على الاجتهاد، ويتوصل اليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها فى لغة العرب واستعمالها بحسب السياق ومعرفة الأساليب العربية واستنباط المعاني من كل ذلك.

وقد انقسمت كتب التفاسير إلى هذين النوعين: كتب التفسير بالمأثور، وكتب التفسير بالمعقول.

وسنرى عند الكلام عن تفسير مقاتل- ومنهجه هو موضوع هذا البحث- كيف فسر مقاتل القرآن الكريم وتحت أى نوع من هذين النوعين ينبغي أن نضع تفسيره.


(٤٣) سورة النساء: ٨٣.
(٤٤) انظر مقدمة تفسير الماوردي، وهو مخطوط مخطوط بدار الكتب المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>