للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر من هذا ان مقاتلا وابن جريج كانا متعاصرين، لكن نشاة ابن جريج كانت بالحجاز، ونشاة مقاتل كانت بخراسان. ولذلك قيل عن ابن جريج انه أول من صنف الكتب بالحجاز.

وإذا عرفنا ان ابن جريج لم يطلب العلم الا فى الكهولة، وان مقاتلا قد دون تفسيره بمرو وهو فى شرخ الشباب او قوة الرجولة- ظهر لنا ان مقاتلا كان اسبق فى تدوين تفسيره من ابن جريج.

قال ابن خلدون فى العبر: (ان ابن جريج لم يطلب العلم الا فى الكهولة؟

ولو سمع فى عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة، فانه قال كنت اتتبع الاشعار العربية والأنساب، فقيل لي لو لزمت عطاء؟ فلزمته ثمانية عشر عاما) «٢٧» .

والظاهر ان تأليف الكتب لم يكن متداولا بين العرب، نظرا لأنهم امة امية تعتمد على الحفظ والرواية والسماع «٢٨» .

وقد حث النبي على تعلم القراءة والكتابة، وكان فداء بعض اسرى بدر تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة. وكان هناك كتاب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان العلماء اليوم يفرقون بين المؤرخ والاخبارى، فيذكرون ان لقب الاخبارى الصق بالواقدى، لأنه جمع الاخبار بدون تمحيص لها او دراسة لفلسفة التاريخ، اما المؤرخ بحق فهو الذي يروى الاخبار بعد تمحيصها ووزنها بميزان التحقيق والنقد- فنحن نرى ان هناك كتبا تم تدوينها فى التفسير بمعنى جمعها وكتابتها رواية، كتفسير سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر المكي.

ولعل ابن جريج لكونه كان روميا نصرانيا قبل إسلامه كان ابرع فى ناحية الجمع والتنظيم والتأليف «٢٩» ، فنسب اليه انه أول من صنف الكتب، لكنه- وان عاصر مقاتلا- كان أول تدوينه للتفسير فى كهولته، اى بعد ان دون مقاتل تفسيره.

هذا وتفسير ابن جريح انما كان جمعا ورواية عن ابن عباس، اما تفسير مقاتل فهو ماثل بين أيدينا كمؤلف كامل، يظهر فيه اثر العقل المشرق، والإبداع والتأليف الفنى، والتبحر فى ادراك اهداف القرآن ومقاصده، والجمع بين آيات كل موضوع، والتوفيق بين كل آيتين ظاهرهما التناقض.

ان مقاتلا لم يجمع تفسير السابقين وآراءهم، وانما درسها ومحصها واختار أولاها بالصواب فى رأيه، ثم عرض تفسيره فى إيجاز وبساطة ووضوح. ولعل هذا


(٢٧) شذرات الذهب: ١/ ٢٢٦.
(٢٨) قارن بأحمد أمين: فجر الإسلام (التدوين) : ١٦٦ ط ٩.
(٢٩) قارن بأحمد أمين: فجر الإسلام (وصف الحركة العلمية اجمالا) : ١٤٠ ط ٩. وانظر أول الكتاب (حياة مقاتل) مولى الأزد. ونسب اشتهار الموالي بالعلم، هامش (٣) : ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>